للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢١٤٠ - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «لَوْ جُعِلَ الْقُرْآنُ فِي إِهَابٍ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ مَا احْتَرَقَ» " رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ.

ــ

٢١٤٠ - (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَوْ جُعِلَ الْقُرْآنُ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ يَفْرِضُ تَجَسُّمَهُ إِذْ تَجَسَّمَ الْمَعْنَى جَائِزٌ وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِهِ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَهُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِصِحَّةِ فَرْضِ وَضْعِ الْمُصْحَفِ (فِي إِهَابٍ) ، أَيْ جِلْدٍ لَمْ يُدْبَغْ كَذَا قَالُوا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُطْلَقُ الْجِلْدِ إِمَّا عَلَى التَّجْرِيدِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا لَمْ يُدْبَغْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَدْ تَكَلَّفَ الطِّيبِيُّ حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا ضَرَبَ الْمَثَلَ بِالْإِهَابِ وَهُوَ الْجِلْدُ الَّذِي لَمْ يُدْبَغُ لِأَنَّ الْفَسَادَ إِلَيْهِ أَسْرَعُ وَنَفْخُ النَّارِ فِيهِ أَنْفَذُ لِيُبْسِهِ وَجَفَافِهِ وَبِخِلَافِ الْمَدْبُوغِ لِلِينِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي فِي وَجْهِ التَّشْبِيهِ بِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَارِئُ غَيْرَ مُرْتَاضٍ نَفَعَهُ الْقُرْآنُ (ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: ثُمَّ لَيْسَ لِتَرَاخِي الزَّمَانِ بَلْ لِتَرَاخِي الرُّتْبَةِ بَيْنَ الْجَعْلِ فِي الْإِهَابِ وَالْإِلْقَاءِ فِي النَّارِ وَإِنَّهُمَا أَمْرَانِ مُتَنَافِيَانِ لِرُتْبَةِ الْقُرْآنِ وَإِنَّ الثَّانِي أَعْظَمُ مِنَ الْأَوَّلِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ: ثُمَّ عَلَى بَابِهَا وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا بِمَعْنَى الْفَاءِ (مَا احْتَرَقَ) ، أَيِ الْإِهَابُ بِبَرَكَةِ الْقُرْآنِ لِمَا فِيهِ مِنْ يَنَابِيعِ الرَّحْمَةِ وَأَنْهَارِ الْحِكْمَةِ مَا يُخْمِدُ تِلْكَ النَّارَ وَيُطْفِئُهَا كَمَا وَرَدَ (جُزْ يَا مُؤْمِنُ فَإِنَّ نُورَكَ أَطْفَأَ لَهَبِي) وَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنُهُ مَعَ هَذَا الْجِلْدِ الْحَقِيرِ الَّذِي جَاوَرَهُ فِي سَاعَةٍ، فَمَا ظَنُّكَ بِجَوْفِ الْحَافِظِ لَهُ وَجَسَدِ الْعَامِلِ بِهِ الَّذِي اسْتَقَرَّ فِيهِ أَزْمِنَةً عَدِيدَةً وَمُدَدًا مَدِيدَةً؟ فَيَكُونُ حِفْظُهُ لِخَوْفِهِ مِنْ نَارِ الْبُعْدِ وَالْحِجَابِ، وَنَارُ جَهَنَّمَ أَحْرَى وأْولى وَأَبْلَغُ وَأَقْوَى، وَالْمُرَادُ بِالنَّارِ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَعَلَّ الْجِنْسَ أَقْرَبُ وَأَحْرَى، وَضُرِبَ الْمَثَلُ بِالْإِهَابِ لِلتَّحْقِيرِ أَحْرَى لِأَنَّ التَّمْثِيلَ وَارِدٌ لِلْمُبَالَغَةِ وَالْفَرْضِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَلَوْ، كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا} [الكهف: ١٠٩] الْآيَةَ، قُلْتُ: وَالْأَظْهَرُ فِي التَّنْظِيرِ " {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرعد: ٣١] " أَيْ يَنْبَغِي وَيَحِقُّ أَنَّ الْقُرْآنَ لَوْ كَانَ فِي مِثَالِ هَذَا الشَّيْءِ الْحَقِيرِ الَّذِي لَا يُؤْبَهُ بِهِ وَيُلْقَى فِي النَّارِ مَسَّتْهُ فَكَيْفَ بِالْمُؤْمِنِ الَّذِي هُوَ أَكْرَمُ خَلْقِ اللَّهِ وَأَفْضَلُهُمْ وَقَدْ وَعَاهُ فِي صَدْرِهِ وَتَفَكَّرَ فِي مَعَانِيهِ وَوَاظَبَ عَلَى قِرَاءَتِهِ وَعَمِلَ فِيهِ بِجَوَارِحِهِ؟ فَكَيْفَ تَمَسُّهُ؟ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَحْرِقَهُ، قَالَ: وَبِهَذَا التَّأْوِيلِ وَقَعَ التَّنَاسُبُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَالَّذِي قَبْلَهُ فَإِنَّ الْمَعْنَى مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أَلْبَسَ وَالِدَاهُ تَاجًا، فَكَيْفَ بِالْقَارِئِ الْعَامِلِ؟ وَلَوْ جُعِلَ الْقُرْآنُ فِي إِهَابٍ وَأُلْقِيَ فِي النَّارِ مَسَّتْهُ النَّارُ، فَكَيْفَ بِالتَّالِي الْعَامِلِ؟ اهـ وَهَذَا تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لِأَنَّ الْجُمْلَتَيْنِ مَا وَقَعَتَا مُتَوَالِيَتَيْنِ فِي لَفْظِ النُّبُوَّةِ لِيَطْلُبَ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا، وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فِي الْكِتَابِ يَكْفِي كَوْنُهُمَا فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي فَضْلِ صَاحِبِهِ لِأَنَّ فَضْلَهُ بِسَبَبِهِ مَعَ أَنَّ الْمُنَاسَبَة الَّتِي ذَكَرَهَا غَيْرُ تَامَّةٍ لِأَنَّ الشُّرْطِيَّةَ الْأُولَى حَقِيقِيَّةٌ وَالثَّانِيَةَ فَرْضِيَّةٌ، فَقِيلَ: كَانَ هَذَا مُعْجِزَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِي الْمَصَابِيحِ بِلَفْظِ (لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ فِي إِهَابٍ مَسَّتْهُ النَّارُ) وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَعَالِمِ بِسَنَدِهِ ثُمَّ قَالَ: قِيلَ: مَعْنَاهُ مَنْ حَمَلَ الْقُرْآنَ وَقَرَأَهُ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَرِوَايَةُ مَسَّتْهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ أَوْلَى مِنِ احْتَرَقَ اهـ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ أَبْلَغُ لَا أَنَّهُ أَصَحُّ لِأَنَّ النُّسَخَ الْمُصَحَّحَةَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى لَفْظِ احْتَرَقَ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَكْثَرَ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَكَذَا ذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِالْمَعْنَى إِنَّ مَنْ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ لَمْ تَحْرِقْهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَجَعَلَ جِسْمَ حَافِظِ الْقُرْآنِ كَالْإِهَابِ لَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: " احْفَظُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ قَلْبًا وَعَى الْقُرْآنَ " (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ: «لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ فِي إِهَابٍ مَا أَكَلَتْهُ النَّارُ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>