وَفِي قَوْلِ الْأَخِيرِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: حِكْمَةُ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ عِوَضَ الْمَلَكَيْنِ الْكَاتِبَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَيُضْرَبُ) : أَيِ الْكَافِرُ (بِمَطَارِقَ) : وَفِي " الْمَصَابِيحِ: بِمِطْرَقَةٍ وَهِيَ آلَةُ الضَّرْبِ (مِنْ حَدِيدٍ) : لِأَنَّهُ مِنْ بَيْنِ الْفِلِزَّاتِ أَشَدُّ شَدِيدٍ (ضَرْبَةً) ، أَيْ: بَيْنَ أُذُنَيْهِ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَفْرَدَ الضَّرْبَةَ وَجَمَعَ الْمَطَارِقَ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ:
مَعِي جِيَاعًا لِيُؤْذِنَ بِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ تِلْكَ الْمِطْرَقَةِ مِطْرَقَةٌ بِرَأْسِهَا مُبَالَغَةً اهـ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَطَارِقَ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ سَوَاءٌ يَكُونُ أَقَلَّهُ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، وَالْمُرَادُ مِنْ " ضَرْبَةً " دُفْعَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الضَّرْبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ حَجَرٍ قَالَ: كَانَ وَجْهُ إِفْرَادِهَا مَعَ جَمْعِ الْمَطَارِقِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهَا تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَصَارَتْ كَالضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ صُورَةً. ثُمَّ قَالَ: وَفِي كَلَامِ الطِّيبِيِّ نَظَرٌ لِأَنَّ فِيهِ إِخْرَاجَ الْمَطَارِقِ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَهِيَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْجَمْعِ الَّذِي هُوَ أَبْلَغُ فِي النَّكَالِ وَالْعَذَابِ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ لِذَلِكَ (فَيَصِيحُ) ، أَيْ: يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ مِنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ (صَيْحَةً يَسْمَعُهَا) ، أَيْ: تِلْكَ الصَّيْحَةَ (مَنْ يَلِيهِ) ، أَيْ: يَقْرُبُ مِنْهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْمَلَائِكَةِ، وَعَبَّرَ بِمَنْ تَغْلِيبًا لِلْمَلَائِكَةِ لِشَرَفِهِمْ، وَلَا يُذْهَبُ فِيهِ إِلَى الْمَفْهُومِ مِنْ أَنَّ مَنْ بَعُدَ لَا يَسْمَعُ لِمَا وَرَدَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ مِنْ أَنَّهُ يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَالْمَفْهُومُ لَا يُعَارِضُ الْمَنْطُوقَ (غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ) ، أَيِ: الْإِنْسُ وَالْجِنُّ سُمِّيَ بِهِمَا لِأَنَّهُمَا ثَقُلَا عَلَى الْأَرْضِ وَنَصَبَ غَيْرَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَقِيلَ: بِالرَّفْعِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَاسْتُثْنِيَا لِأَنَّهُمَا بِمَعْزِلٍ عَنْ سَمَاعِ ذَلِكَ لِئَلَّا يَفُوتَ الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْإِيمَانُ بِهِ لَوْ سَمِعُوهُ ضَرُورِيًّا، وَالْإِيمَانُ الضَّرُورِيُّ لَا يُفِيدُ ثَوَابًا فَيَرْتَفِعَ الِابْتِلَاءُ وَالِامْتِحَانُ، وَقِيلَ: لَوْ سَمِعُوهُ لَأَعْرَضُوا عَنِ التَّدَابِيرِ وَالصَّنَائِعِ وَنَحْوِهِمَا، فَيَنْقَطِعَ الْمَعَاشُ وَيَخْتَلُّ نِظَامُ الْعَالَمِ، وَلِذَا قِيلَ: لَوْلَا الْحَمْقَى لَخَرِبَتِ الدُّنْيَا، وَقِيلَ: الْغَفْلَةُ رَحْمَةٌ، وَقِيلَ: لَوْلَا الْأَمَلُ لَاخْتَلَّ الْعَمَلُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) ، أَيْ: بِحَسَبِ الْمَعْنَى (وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ) : قَالَ مِيرَكُ شَاهْ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ انْتَهَتْ إِلَى قَوْلِهِ: " فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا " فَيُحْمَلُ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْأَكْثَرِ فَتَدَبَّرْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute