٢٢١٩ - وَعَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: «كُنَّا بِحِمْصَ فَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ سُورَةَ يُوسُفَ فَقَالَ رَجُلٌ: مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَاللَّهِ لَقَرَأْتُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَحْسَنْتَ، فَبَيْنَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ وَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ فَقَالَ: أَتَشْرَبُ الْخَمْرَ وَتُكَذِّبُ بِالْكِتَابِ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٢٢١٩ - (وَعَنْ عَلْقَمَةَ) تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ (قَالَ كُنَّا بِحِمْصَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ، بَلْدَةٌ بِالشَّامِ (فَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ سُورَةَ يُوسُفَ فَقَالَ رَجُلٌ: مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ) : أَيِ السُّورَةُ أَوِ الْقُرْآنُ (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَاللَّهِ لَقَرَأْتُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : أَيْ فِي زَمَانِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ عَلَيَّ لِأَنِّي قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: عَلَى عَهْدِهِ: أَيْ حَضْرَتِهِ، وَهُوَ يَسْمَعُ (فَقَالَ) : أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَحْسَنْتَ) : أَيْ أَنْتَ الْقِرَاءَةَ بِالتَّرْتِيلِ وَالتَّجْوِيدِ وَغَيْرِهِمَا، وَهَذِهِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لَمْ يَذْكُرْهَا افْتِخَارًا بَلْ تَحَدُّثًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ وَاحْتِجَاجًا عَلَى عَدُوِّ اللَّهِ (فَبَيْنَا) وَفَى نُسْخَةٍ فَبَيْنَمَا (هُوَ) : أَيِ ابْنُ مَسْعُودٍ (يُكَلِّمُهُ) : أَيْ ذَلِكَ الرَّجُلُ، وَيُحْتَمَلُ الْعَكْسُ (إِذْ وَجَدَ) : أَيِ ابْنُ مَسْعُودٍ (رِيحَ الْخَمْرِ، فَقَالَ: أَتَشْرَبُ الْخَمْرَ) : أَيْ أَتُخَالِفُ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَحُكْمَهُ (وَتُكَذِّبُ الْكِتَابَ) : أَيْ بِقِرَاءَتِهِ، أَوْ أَدَائِهِ (فَضَرَبَهُ الْحَدَّ) : أَيْ لِكَوْنِهِ مُتَوَلِّيًا، قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا تَغْلِيظٌ لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْكِتَابِ كُفْرٌ، وَإِنْكَارُ الْقِرَاءَةِ فِي جَوْهَرِ الْكَلِمَةِ كُفْرٌ دُونَ الْأَدَاءِ، وَلِذَا أَجْرَى عَلَيْهِ حَدَّ الشَّارِبِ لَا حَدَّ الرِّدَّةِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ، إِنَّ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ لَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْقُرَّاءُ مُتَوَاتِرٌ مُطْلَقًا فَيَكْفُرُ مُنْكِرُهُ، نَعَمْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الَّذِي أَنْكَرَهُ لَمْ يَكُنْ مُتَوَاتِرًا حِينَئِذٍ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ فَهُوَ لَا كُفْرَ بِهِ وَإِنْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَرَأَ بِهِ، ثُمَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ ضَرَبَهُ حَدَّ الْخَمْرِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ شُرْبِهِ بِالرَّائِحَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ، وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ خِلَافُهُ ; لِأَنَّ رِيحَ نَحْوِ التُّفَّاحِ الْحَامِضِ وَكَذَا السَّفَرْجَلِ يُشْبِهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ، وَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَرِبَهَا إِكْرَاهًا، أَوِ اضْطِرَارًا، وَقَدْ صَحَّ الْخَبَرُ: ( «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبَهَاتِ» ) وَلَعَلَّهُ حَصَلَ مِنْهُ إِقْرَارٌ، أَوْ قَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ التَّعْزِيرُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّهُ لَمْ يُعَزِّرْهُ عَلَى قَوْلِهِ مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِابْنِ مَسْعُودٍ لِكَوْنِهِ نَسَبَهُ إِلَى قِرَاءَةٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ فَعَفَا عَنْهُ فِي حَقِّهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute