[٩]- كِتَابُ الدَّعَوَاتِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلِ
٢٢٢٣ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي إِلَى يَوْمِ الْقَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا» " (رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِلْبُخَارِيِّ أَقْصَرُ مِنْهُ) . .
ــ
[٩] كِتَابُ الدَّعَوَاتِ
جَمْعُ الدَّعْوَةِ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ، وَهُوَ طَلَبُ الْأَدْنَى بِالْقَوْلِ مِنَ الْأَعْلَى شَيْئًا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِكَانَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْفَتَاوَى فِي الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ، وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ الزُّهَّادِ، وَأَهْلِ الْمَعَارِفِ إِلَى أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ اسْتِسْلَامًا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إِنْ دَعَا لِلْمُسْلِمِينَ فَحَسَنٌ، وَإِنْ خَصَّ نَفْسَهُ فَلَا. وَقِيلَ: إِنْ وَجَدَ بَاعِثًا لِلدُّعَاءِ اسْتُحِبَّ، وَإِلَّا فَلَا. وَدَلِيلُ الْفُقَهَاءِ ظَوَاهِرُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٢٢٢٣ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ» ) أَيْ: فِي حَقِّ مُخَالِفِي أُمَّتِهِ جَمِيعِهِمْ بِالِاسْتِئْصَالِ، (فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ) : أَيِ: اسْتَعْجَلَ فِي دَعْوَتِهِ، كَمَا أَنَّ نُوحًا دَعَا عَلَى أُمَّتِهِ بِالْهَلَاكِ، حَتَّى غَرِقُوا بِالطُّوفَانِ، وَصَالِحًا دَعَا عَلَى أُمَّتِهِ، حَتَّى هَلَكُوا بِالصَّيْحَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً مُتَيَقَّنَةَ الْإِجَابَةِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ دَعَوَاتِهِ، فَإِنَّهَا عَلَى طَمَعِ الْإِجَابَةِ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ لِنَفْسِهِ، (وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي) : أَيِ: ادَّخَرْتُهَا وَجَعَلْتُهَا خَبِيئَةً مِنَ الِاخْتِبَاءِ، وَهُوَ الِاخْتِفَاءُ بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ؛ لِأَنِّي بُعِثْتُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، (شَفَاعَةً لِأُمَّتِي) : أَيْ: أُمَّةِ الْإِجَابَةِ، يَعْنِي: لِأَجْلِ أَنْ أَصْرِفَهَا لَهُمْ خَاصَّةً بَعْدَ الْعَامَّةِ، وَفِي جِهَةِ الشَّفَاعَةِ أَوْ حَالَ كَوْنِهَا شَفَاعَةً (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) أَيْ: مُؤَخَّرَةً إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَفِي نُسْخَةٍ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لِلشَّفَاعَةِ (فَهِيَ) : أَيِ: الشَّفَاعَةُ (نَائِلَةٌ) : أَيْ: وَاصِلَةٌ حَاصِلَةٌ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ " مَعَ حُصُولِهَا لَا مَحَالَةَ أَدَبًا وَامْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣ - ٢٤] اهـ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ قَالَ لِلتَّبَرُّكِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ الْأَفْعَالُ الْوَاقِعَةُ فِي الدُّنْيَا، لَا الْأَخْبَارُ الْكَائِنَةُ فِي الْعُقْبَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: (مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي) : إِعْلَامًا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْإِيمَانِ خِلَافُهُ لَفْظِيٌّ، فَمَنْ نَوَى التَّعْلِيقَ فِي الْحَالِ كَفَرَ اتِّفَاقًا، أَوِ التَّبَرُّكَ الْمَحْضَ، أَوْ نَصًّا لِلْمَآلِ فَلَا اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِهِ: أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِلْإِيهَامِ، وَهُوَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ لِنَائِلَةٍ، وَمِنْ بَيَانِ (مِنْ) وَقَوْلُهُ: (لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ مَاتَ (شَيْئًا) : أَيْ: مِنَ الْأَشْيَاءِ أَوْ مِنَ الْإِشْرَاكِ. وَهِيَ أَقْسَامٌ: عَدَمُ دُخُولِ قَوْمٍ النَّارَ، وَتَخْفِيفُ لُبْثِهِمْ فِيهَا، وَتَعْجِيلُ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ وَرَفْعُ دَرَجَاتٍ فِيهَا. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْبُخَارِيُّ أَقْصَرَ مِنْهُ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute