للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢٢٥٠ - وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) .

ــ

٢٢٥٠ - (وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ) : مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (مُسْتَجَابَاتٌ) : قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْحَدِيثُ السَّابِقُ ثَلَاثَةٌ، وَفِي هَذَا ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى الْأَوَّلِ فِي شَأْنِ الدَّاعِي، وَتَحَرِّيهِ فِي طَرِيقِ الِاسْتِجَابَةِ، وَمَا هِيَ مَنُوطَةٌ بِهِ مِنَ الصَّوْمِ وَالْعَدْلِ، بِخِلَافِ الْوَالِدِ وَالْمُسَافِرِ، إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِمَا الِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ اهـ. وَهُوَ نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ وَحِكْمَةٌ شَرِيفَةٌ وَصَلَتْ بَلَاغَتُهَا الْغَايَةَ، وَفَصَاحَتُهَا النِّهَايَةَ. وَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَائِبِ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: ذَكَرَ هُنَا " ثَلَاثٌ " وَأَنَّثَهُ ثَمَّةَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ ثَمَّةَ عَلَى مُذَكَّرٍ، وَهُنَا عَلَى مُؤَنَّثٍ، وَعَجِيبٌ مِمَّنْ فَرَّقَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْخَفَاءِ وَالتَّكَلُّفِ. قُلْتُ: أَمَّا الْخَفَاءُ فَكَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إِلَّا عَلَى الْعُلَمَاءِ مِنَ الْبُلَغَاءِ وَالْفُصَحَاءِ، وَأَمَّا زَعْمُ أَنَّ الطِّيبِيَّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثَةٍ بِاعْتِبَارِ الْمَعْدُودِ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، فَفَسَادُهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، فَإِنَّهُ إِمَامٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَجَبَلٌ فِي حَلِّ الْعِبَارَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْحَدِيثِيَّةِ، وَمَا يَضُرُّهُ عَدَمُ اشْتِهَارِهِ بِالْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ (لَا شَكَّ فِيهِنَّ) : أَيْ فِي اسْتِجَابَتِهِنَّ، وَهُوَ آكَدُ مِنْ حَدِيثِ: لَا تُرَدُّ، وَإِنَّمَا أَكَّدَ بِهِ لِالْتِجَاءِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِصِدْقِ الطَّلَبِ وَرِقَّةِ الْقَلْبِ وَانْكِسَارِ الْخَاطِرِ، (دَعْوَةُ الْوَالِدِ) : أَيْ لِوَلَدِهِ أَوْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْوَالِدَةَ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا أَكْثَرُ، فَدُعَاؤُهَا أَوْلَى بِالْإِجَابَةِ، أَوْ لِأَنَّ دَعْوَتَهَا عَلَيْهِ غَيْرُ مُسْتَجَابَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَرْحَمُهُ وَلَا تُرِيدُ بِدُعَائِهَا عَلَيْهِ وُقُوعَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ زَيْنُ الْعَرَبِ، وَفِيهِ أَنَّ الْوَالِدَ كَذَلِكَ لَا يَدْعُو لَهُ عَلَى نَعْتِ الشَّفَقَةِ وَالرِّقَّةِ التَّامَّةِ، وَكَذَا دَعْوَتُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْعُو عَلَيْهِ إِلَّا عَلَى نَعْتِ الْمُبَالَغَةِ مِنْ إِسَاءَتِهِ عَلَيْهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْقَاسَ عَلَيْهِ دَعْوَةُ الْوَالِدَةِ بِالْأَوْلَى، كَمَا يَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ: إِنَّ لَهَا ثُلُثَيِ الْبِرِّ وَلَهُ ثُلُثَهُ لِأَنَّ مَا تُقَاسِيهِ مِنْ تَعَبِ الْحَمْلِ وَالْوِلَادَةِ وَالرَّضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ، فَوْقَ مَا يُقَاسِيهِ الْوَالِدُ مِنْ تَعَبِ تَحْصِيلِ مُؤْنَتِهِ وَكُسْوَتِهِ بِنَحْوِ الضَّعْفِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: ١٤] حَيْثُ أَوْقَعَ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ بَيْنَ الْمُفَسِّرِ أَعْنِي: (أَنِ اشْكُرْ لِي) ، وَالْمُفَسَّرِ أَعْنِي: (وَصَّيْنَا) ، وَفَائِدَةُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ التَّوْكِيدُ فِي الْوَصِيَّةِ فِي حَقِّهِمَا خُصُوصًا فِي حَقِّ الْوَالِدَةِ، لِمَا تُكَابِدُ مِنْ مَشَاقِّ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعَةِ، وَلِأَنَّ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَبِالشَّرِّ لِمَنْ آذَاهُ وَأَسَاءَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُ لَا يَخْلُو مِنَ الرِّقَّةِ. (وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ) : أَيْ: لِمَنْ يُعِينُهُ وَيَنْصُرُهُ أَوْ يُسَلِّيهِ وَيُهَوِّنُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>