للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٢٦٥ - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، وَأَزِيدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاءُهُ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً» " (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ــ

٢٢٦٥ - (وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ " أَيْ: غَيْرَ مُبْطَلَةٍ، وَلِذَا لَمْ يَقُلْ مَنْ فَعَلَ الْحَسَنَةَ، وَالْحَسَنَةُ الْمَعْهُودَةُ هُنَا الْمُرَادَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠] أَيْ: بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا أَيَّ فَرْدٍ كَانَ (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالٍ) : أَيْ ثَوَابُ عَشْرِ حَسَنَاتٍ أَمْثَالِهَا حُذِفَ الْمُمَيَّزُ الْمَوْصُوفُ، وَأُقِيمَ الصِّفَةُ مَقَامَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ عَشْرَ مَثُوبَاتٍ كُلٌّ مِنْهَا مِثْلُ تِلْكَ الْحَسَنَةِ فِي الْكَيْفِيَّةِ، وَهَذَا أَقَلُّ الْمُضَاعَفَةِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ بِمُقْتَضَى الْوَعْدِ، وَلِذَا قَالَ: (وَأَزِيدُ) : أَيْ: لِمَنْ أُرِيدُ الزِّيَادَةَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ عَلَى عَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةٍ ضِعْفٍ، وَإِلَى مِائَةِ أَلْفٍ، وَإِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ (وَمَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ) : أَيْ: غَيْرَ مُكَفَّرَةٍ وَهِيَ الْمَعْهُودَةُ كَمَا سَبَقَ (فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ مِثْلُهَا) أَيْ: عَدْلًا (أَوْ أَغْفِرُ) : فَضْلًا.

قَالَ الطِّيبِيُّ: اخْتَصَّ ذِكْرَ الْجَزَاءِ بِالثَّانِيَةِ، لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ كُلُّهُ إِفْضَالٌ وَإِكْرَامٌ مِنَ اللَّهِ، وَمَا يُقَابِلُ السَّيِّئَةَ فَهُوَ عَدْلٌ وَقِصَاصٌ، فَلَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ كَالثَّوَابِ، فَخُصَّ بِالْجَزَاءِ. وَأَمَّا إِعَادَةُ السَّيِّئَةِ نَكِرَةً فَلِتَنْصِيصِ مَعْنَى الْوَحْدَةِ الْمُبْهَمَةِ فِي السَّيِّئَةِ الْمُعَرَّفَةِ الْمُطْلَقَةِ وَتَقْرِيرِهَا، وَأَمَّا مَعْنَى الْوَاوِ فِي (وَأَزِيدُ) ، فَلِمُطْلَقِ الْجَمْعِ إِنْ أُرِيدَ بِالزِّيَادَةِ الرُّؤْيَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: ٢٦] وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْأَضْعَافُ، فَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوِ التَّنْوِيعِيَّةِ، كَمَا هِيَ قَوْلُهُ: " أَوْ أَغْفِرُ " وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ: مِنْ أَنَّ الْعَشْرَ وَالزِّيَادَةَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا، بِخِلَافِ جَزَاءِ مِثْلِ السَّيِّئَةِ وَمَغْفِرَتِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا، فَوَجَبَ ذِكْرُ " أَوْ " الدَّالُّ عَلَى أَنَّ الْوَاقِعَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ (وَمَنْ تَقَرَّبَ) : أَيْ: طَلَبَ الْقُرْبَةَ (مِنِّي) : أَيْ: بِالطَّاعَةِ (شِبْرًا) : أَيْ: مِقْدَارًا قَلِيلًا. قَالَ الطِّيبِيُّ: شِبْرًا وَذِرَاعًا وَبَاعًا فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ مَنْصُوبَانِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ: مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ مِقْدَارَ شِبْرٍ تَقَرَّبْتُ) أَيْ: الرَّحْمَةُ (مِنْهُ ذِرَاعًا) قِيلَ: أَيْ: أَوْصَلْتُ رَحْمَتِي إِلَيْهِ مِقْدَارًا أَزْيَدَ مِنْهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مُجَازَاتُهُ وَإِثَابَتُهُ بِأَضْعَافِ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَسُمِّيَ الثَّوَابُ تَقَرُّبًا عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ وَالْمُشَاكَلَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْلِهِ وَبِسَبَبِهِ، وَقِيلَ: تَقَرُّبُ الْبَارِي سُبْحَانَهُ إِلَيْهِ بِالْهِدَايَةِ وَشَرْحِ صَدْرِهِ لِمَا تَقَرَّبَ بِهِ إِلَيْهِ، وَكَانَ الْمَعْنَى إِذَا قَصَدَ ذَلِكَ وَعَمِلَهُ أَعَنْتُهُ عَلَيْهِ وَسَهَّلْتُهُ لَهُ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ، وَيَسْتَحِيلُ إِرَادَةُ ظَاهِرِهِ، فَمَعْنَاهُ مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِطَاعَتِي تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بِرَحْمَتِي (وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا) : وَهُوَ قَدْرُ مَدِّ الْيَدَيْنِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْبَدَنِ، وَعَلَى هَذَا كُلَّمَا زَادَ الْعَبْدُ قُرْبَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى زَادَ اللَّهُ رَحْمَتَهُ بِهِ، فَذِكْرُ الذِّرَاعِ لِلتَّمْثِيلِ وَالتَّصْوِيرِ لِإِفْهَامِهِمْ لِمُجَازَاةِ الْعَبْدِ فِيمَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ بِمُضَاعَفَةِ لُطْفِهِ وَإِحْسَانِهِ (وَمَنْ أَتَانِي) : حَالَ كَوْنِهِ (يَمْشِي) : أَيْ: فِي طَاعَتِي (أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) : وَهِيَ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ دُونَ الْعَدْوِ، أَيْ: صَبَبْتُ عَلَيْهِ الرَّحْمَةَ، وَقِيلَ: أَيْ: مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي بِسُهُولَةٍ وَصَلَتْ إِلَيْهِ رَحْمَتِي بِسُرْعَةٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهِيَ حَالٌ أَيْ: مُهَرْوِلًا، أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّ الْهَرْوَلَةَ نَوْعٌ مِنَ الْإِتْيَانِ، فَهُوَ كَرَجَعْتُ الْقَهْقَرَى، لَكِنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْحَالِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ يَمْشِي حَالٌ لَا مَحَالَةَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذَا كَالشَّرْحِ لِمَا أَفْهَمَهُ إِعْطَاءُ الْعَشْرِ، وَالزِّيَادَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْحَسَنَةِ مِنْ أَنَّ سِعَةَ تَفَضُّلِهِ عَلَى عِبَادِهِ بَلَغَتِ الْغَايَةَ الَّتِي مَا وَرَاءَهَا غَايَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>