تَقَعُ التَّوْبَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقَبُولِ وَالرِّضَا مَوْقِعًا يَقَعُ فِي مِثْلِهِ مَا يُوجِبُ فَرْطَ الْفَرَحِ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُرَادُ كَمَالُ الرِّضَا، لِأَنَّ الْفَرَحَ الْمُتَعَارَفَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَالْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَهِمُوا مِنْ أَمْثَالِ ذَلِكَ مَا يُرَغِّبُ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَيَكْشِفُ عَنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُنَزَّهًا عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَلَمْ يُفَتِّشُوا عَنْ مَعَانِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَهَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ السَّلِيمَةُ، وَقَلَّمَا يَزِيغُ عَنْهُ قَدَمُ الرَّاسِخِ. (كَانَ رَاحِلَتُهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ: كَانَتْ رَاحِلَتُهُ (بِأَرْضِ فَلَاةٍ) : بِالْإِضَافَةِ وَبِنُونٍ أَيْ: مَفَازَةٌ (فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ) أَيْ: نَفَرَتْ (وَعَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى ظَهْرِهَا (طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ) : خُصَّا لِأَنَّهُمَا سَبَبَا حَيَاتِهِ (فَأَيِسَ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ وِجْدَانِ الرَّاحِلَةِ بَعْدَ طَلَبِهَا (فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا) : حَالَ كَوْنِهِ (وَقَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ) أَيْ: مِنْ حُصُولِهَا وَوُصُولِهَا (فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ) أَيْ: فِي هَذَا الْحَالِ مُنْكَسِرُ الْبَالِ (وَإِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ) أَيْ: إِذَا الرَّجُلُ حَاضِرٌ بِتِلْكَ الرَّاحِلَةِ حَالَ كَوْنِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَلَا تَعَبٍ (فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا) أَيْ: زِمَامِهَا فَرِحًا بِهَا فَرَحًا لَا نِهَايَةَ لَهُ، ( «ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ» ) : أَيْ: بِسَبْقِ اللِّسَانِ عَنْ نَهْجِ الصَّوَابِ وَهُوَ: أَنَا عَبْدُكَ وَأَنْتَ رَبِّي (مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) كَرَّرَهُ لِبَيَانِ عُذْرِهِ وَسَبَبِ صُدُورِهِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْفَرَحِ وَالْحُزْنِ رُبَّمَا يَقْتُلُ صَاحِبَهُ وَيُدْهِشُ عَقْلَهُ، حَتَّى مَنَعَ صَاحِبَهُ مِنْ إِدْرَاكِ الْبَدِيهِيَّاتِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute