للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَتَحَكَّمُ عَلَيَّ وَيَحْلِفُ بِاسْمِي (أَنِّي لَا أَغْفِرُ لِفُلَانٍ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ) أَيْ: رَغْمًا لِأَنْفِكَ (وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ) : قَالَ الْمُظْهِرُ: أَيْ: أَبْطَلْتُ قَسَمَكَ وَجَعَلْتُ حَلِفَكَ كَاذِبًا، لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: " «مَنْ يَتَأَلَّ عَلَى اللَّهِ يُكَذِّبْهُ» " فَلَا مُتَمَسَّكَ لِلْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ ذَا الْكَبِيرَةِ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِحْلَالِ يَخْلُدُ فِي النَّارِ، كَالْكُفْرِ يُحْبِطُ عَمَلَهُ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: أَنْتَ الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنِ الْخِطَابِ أَوَّلًا شِكَايَةً لِصَنِيعِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِعْرَاضًا عَنْهُ عَلَى عَكْسِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْجَزْمُ بِالْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ إِلَّا لِمَنْ وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ، كَالْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ قَوْلَهُ مِنْ هَذَا كُفْرٌ فَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ، ظَاهِرٌ. وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَكَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَيَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى التَّغْلِيظِ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ يَبْعُدُ كَوْنُهُ كُفْرًا، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَقَوْلُهُ ظَاهِرٌ أَيْ: عَلَى مَذْهَبِنَا، لِأَنَّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يُشْتَرَطُ لِلْإِحْبَاطِ مَوْتُهُ عَلَى الْكُفْرِ، لَا يَعْرِفُ فِي مَذْهَبِهِ الْمُعْتَزِلِيِّ أَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ تُحْبِطُ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ، ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى التَّغْلِيظِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (أَوْ كَمَا قَالَ) : شَكَّ الرَّاوِي أَيْ: قَالَ الرَّسُولُ أَوْ غَيْرُهُ مَا ذَكَرْتُهُ، أَوْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى النَّقْلِ بِالْمَعْنَى، وَهُوَ الْأَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ نَقْلُ اللَّفْظِ أَيْضًا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>