للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: اعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ رُوحٌ نُورَانِيٌّ مِنْ عَالَمِ الْمَلَكُوتِ وَنَفْسٌ ظُلْمَانِيَّةٌ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِزَاعٌ وَشَوْقٌ إِلَى عَالَمِهِ فَغَايَةُ بَعْثَةِ الْأَنْبِيَاءِ تَزْكِيَةُ النُّفُوسِ عَنْ ظُلْمَةِ أَوْصَافِهَا، وَتَحْلِيَتُهَا بِأَنْوَارِ الْأَرْوَاحِ حَتَّى يَنْجَلِيَ فِيهَا أَنَّ الْمَوْجُودَ الْحَقِيقِيَّ ذَاتُ اللَّهِ وَصِفَاتُهُ وَأَفْعَالُهُ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَدُقَّ بِمِطْرَقَةِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ تَمَرُّدَ النَّفْسِ إِلَى أَنْ تُؤْمِنَ بِذَلِكَ وَتَكْفُرَ بِطَاغُوتِ وُجُودِهِ وَوُجُودِ مَا سِوَى اللَّهِ، هَذَا هُوَ الدِّينُ الْحَنِيفِيُّ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهِ بِتَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ غَيْرَ ذَلِكَ بِأَنْ أَيِسَ عَنِ الْحَقِّ وَشَكَّ فِي مَوَاعِيدِهِ وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَنْسَلِخْ عَنْ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَلَمْ تَنْطَمِسْ ظُلُمَاتُ ذَاتِهِ فِي أَنْوَارِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ لَمْ يَتَّبِعْ إِلَّا الشَّيْطَانَ مُرِيدًا لَعَنَهُ اللَّهِ، وَبِهَذَا يَتَعَيَّنُ لَكَ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَمَعَ جَمِيعَ أَمْرِ الْآخِرَةِ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَجَمِيعَ أَمْرِ الدُّنْيَا فِي كَلِمَةِ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَكَأَنَّهُ حَمَلَ الْأَعْمَالَ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النِّيَّاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>