للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٣٥٨ - وَعَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخِرُ عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا - أَيْ بِيَدِهِ - فَذَبَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ، نَزَلَ فِي أَرْضٍ دَوِيَّةٍ، مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ، فَطَلَبَهَا حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ ; فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ» "، رَوَى مُسْلِمٌ الْمَرْفُوعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَحَسْبُ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ الْمَوْقُوفَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا.

ــ

٢٣٥٨ - (وَعَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ) : بِالتَّصْغِيرِ: قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَثِقَاتِهِمْ (قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَدِيثَيْنِ) : نَصْبُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي (أَحَدَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: يَرْوِي عَنْهُ (وَالْآخَرَ عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ: مَرْوِيٌّ مِنْ قَوْلِهِ. (قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: ذُنُوبُهُ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ أَيْ: كَالْجِبَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: كَذُبَابٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْ: عَظِيمَةً ثَقِيلَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ) : وَهُوَ تَشْبِيهُ تَمْثِيلٍ شَبَّهَ حَالَهُ بِالْقِيَامِ إِلَى ذُنُوبِهِ، وَأَنَّهُ يَرَى أَنَّهَا مُهْلِكَةٌ لَهُ بِحَالِهِ إِذَا كَانَ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُهُ، فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ فِي غَايَةِ الْخَوْفِ " وَالِاحْتِرَازِ " مِنَ الذُّنُوبِ، وَلَا يُنَافِيهِ " الِاعْتِدَالُ " الْمَطْلُوبُ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فِي الْمَحْبُوبِ، لِأَنَّ رَجَاءَ الْمُؤْمِنِ وَحُسْنَ ظَنِّهِ فِي رَبِّهِ فِي غَايَةٍ وَنِهَايَةٍ. (وَإِنَّ الْفَاجِرَ) أَيِ: الْمُنَافِقَ أَوِ الْفَاسِقَ يَتَسَاهَلُ حَيْثُ (يَرَى ذُنُوبَهُ) أَيْ: سَهْلَةً خَفِيفَةً (كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ) أَيْ: أَشَارَ إِلَيْهِ أَوْ فَعَلَ بِهِ (هَكَذَا - أَيْ بِيَدِهِ -) : تَفْسِيرٌ لِلْإِشَارَةِ أَيْ: دَفَعَ الذُّبَابَ بِيَدِهِ (فَذَبَّهُ عَنْهُ،) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ أَيْ: دَفَعَ الذُّبَابَ عَنْ نَفْسِهِ، وَبِهِ سُمِّيَ الذُّبَابُ ذُبَابًا لِأَنَّهُ كُلَّمَا ذُبَّ آبَ أَيْ: كُلَّمَا دُفِعَ رَجَعَ. (ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " لَلَّهُ) : بِفَتْحِ اللَّامِ (أَفْرَحُ) أَيْ: أَرْضَى (بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ) أَيْ: مِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمَّا صَوَّرَ حَالَ الْمُذْنِبِ بِتِلْكَ الصُّورَةِ الْفَظِيعَةِ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْمَلْجَأَ هُوَ التَّوْبَةُ وَالرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. يَعْنِي فَحَصَلَتِ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مِنَ الْمَوْقُوفِ وَالْمَرْفُوعِ. (مِنْ رَجُلٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِأَفْرَحَ (نَزَلَ بِأَرْضٍ دَوِّيَّةٍ) : بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ نِسْبَةٌ لِلدَّوِّ أَيِ: الْهَلَاكِ وَفِي رِوَايَةٍ (دَاوِيَةٍ) بِقَلْبِ إِحْدَى الْوَاوَيْنِ أَلِفًا، وَالدَّوَّةُ الْمَفَازَةُ الْخَالِيَةُ. ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ جَمِيعًا، وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَهِيَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْضًا، هِيَ الْأَرْضُ الْقَفْرُ وَالْمَفَازَةُ الْخَالِيَةُ، فَالدَّوِّيَّةُ مَنْسُوبَةٌ إِلَى الدَّوِّ، وَأَمَّا الدَّاوِيَّةُ فَبِإِبْدَالِ إِحْدَى الْوَاوَيْنِ أَلِفًا كَالطَّائِيِّ. أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ بِزِيَادَةِ الْأَلِفِ مُسَامَحَةٌ إِذْ يُنَافِيهَا الْإِبْدَالُ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ الزِّيَادَةَ اللُّغَوِيَّةَ لَا الصَّرْفِيَّةَ الْوَزْنِيَّةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>