للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِنَقْلِ السُّنَّةِ الَّتِي يَعْمَلُ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَزِيدُ عَلَى جَمِيعِ حَسَنَاتِ رَابِعَةَ، وَإِنَّمَا كَانَا يَتَوَاضَعَانِ لَهَا فِي الْحُضُورِ عِنْدَهَا، وَطَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْهَا اقْتِدَاءٌ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ رُبَّمَا كَانَا يَنْفَعَانَهَا فِيمَا تَكُونُ جَاهِلَةً فِي أَمْرِ دِينِهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مِنْ قَبِيلِ إِلْحَاقِ النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ مُبَالَغَةً، كَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ كَالْأَسَدِ، إِذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُشْرِكَ التَّائِبَ لَيْسَ كَالنَّبِيِّ الْمَعْصُومِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ، بِأَنَّ الْمُرَادَ. مِمَّنْ لَا ذَنْبَ لَهُ مَنْ هُوَ عُرْضَةٌ لَهُ لَكِنَّهُ حَفِظَ مِنْهُ، فَخَرَجَ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ، فَلَيْسُوا مَقْصُودِينَ بِالتَّشْبِيهِ. قُلْتُ: فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ عَمِلَ ذُنُوبًا وَتَابَ مِنْهَا، وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْهَا أَصْلًا أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقِيلَ: الْأَوَّلُ لِأَنَّ تَوْبَتَهُ بَعْدَ أَنْ ذَاقَ لَذَّاتَ الْمَعْصِيَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعْلَى صِدْقًا وَأَقْوَى أَيْمَانًا، لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْمَانِعَ، ثُمَّ تَرَكَهُ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَقِيلَ: الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَتَدَنَّسْ بِالْمَعَاصِي بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: إِمَّا عِصْمَةٌ مِنَ الْأَوَّلِ، وَإِمَّا تَوْبَةٌ فِي الْآخَرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَشْبَهُ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ الْمَعْصُومِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْأَصْفِيَاءِ الْمَحْفُوظَيْنِ هُوَ الْأَصْلُ، لِأَنَّهُ الْعَبْدُ الْأَكْمَلُ، فَإِنَّهُ وَلَوْ غَفَرَ لَهُ لَا يَخْلُو عَنِ الْحَيَاءِ وَالْخَجْلَةِ، وَتَوَقَّفَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) أَيْ: فِي سُنَنِهِ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، (وَالْبَيْهَقِيُّ فِي: شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَقَالَ) أَيِ: الْبَيْهَقِيُّ (تَفَرَّدَ بِهِ) أَيْ: بِنَقْلِ هَذَا الْحَدِيثِ (النَّهْرَانِيُّ) : بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْهَاءِ (وَهُوَ مَجْهُولٌ) : إِمَّا عَيْنُهُ أَوْ حَالُهُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مَعَ هَذَا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْفَضَائِلِ. (وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ رَوَى) أَيِ: الْبَغَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي نُسْخَةٍ رُوِيَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْهُ) أَيْ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (مَوْقُوفًا) : لَكِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ (قَالَ: النَّدَمُ تَوْبَةٌ) أَيْ: رُكْنٌ أَعْظَمُهَا النَّدَامَةُ، إِذْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا بَقِيَّةُ الْأَرْكَانِ مِنَ الْقَلْعِ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ، وَتَدَارُكِ الْحُقُوقِ مَا أَمْكَنَ، وَهُوَ نَظِيرُ الْحَجُّ عَرَفَةُ إِلَّا أَنَّهُ عَكْسُ مُبَالَغَةٍ، وَالْمُرَادُ النَّدَامَةُ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا مَعْصِيَةٌ لَا غَيْرَ، (وَالتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) .

وَرَوَى الْقُشَيْرِيُّ فِي الرِّسَالَةِ، وَابْنُ النَّجَّارِ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظٍ: التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَإِذْ أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا لَمْ يَضُرَّهُ ذَنْبٌ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظٍ: التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، الْمُسْتَغْفِرُ مِنَ الذَّنْبِ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ، وَمَنْ أَذَى مُسْلِمًا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الذُّنُوبِ مِثْلَ مَنَابِتِ النَّخْلِ. كَذَا ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.

وَقَالَ ابْنُ الرَّبِيعِ: حَدِيثُ التَّائِبِ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِشَوَاهِدِهِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّوْبَةَ إِذَا وُجِدَتْ بِشُرُوطِهَا الْمُعْتَبَرَةِ، فَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهَا وَتَرَتُّبِ الْمَغْفِرَةِ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: ٢٥] وَلَا يَجُوزُ الْخُلْفُ فِي إِخْبَارِهِ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، وَأَمَّا " الِاسْتِغْفَارُ " عَلَى وَجْهِ " الِافْتِقَارِ " " وَالِانْكِسَارِ " بِدُونِ تَحَقُّقِ التَّوْبَةِ، فَقَدْ يَكُونُ مَاحِيًا لِذُنُوبٍ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مَاحِيًا، لَكِنْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، وَقَدْ أَطَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَحْثِ مَعَ بَعْضِ مُعَاصِرِيهِ، وَأَطْنَبَ كُلٌّ فِي ذِكْرِ الْأَدِلَّةِ، وَقَيَّدَهَا ابْنُ حَجَرٍ، وَأَطْلَقَهَا الْآخَرُ، وَأَلْحَقَ التَّفْصِيلَ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>