للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٣٨٠ - وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: ٣٢] قَالَ: " كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ.

ــ

٢٣٨٠ - (وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَمِنْهُمْ) الْفَاءُ تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ} [فاطر: ٣٢] وَقِيلَ: مِنَ الْعِبَادِ {ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [فاطر: ٣٢] أَيْ: بِارْتِكَابِ الْمَنْهِيَّاتِ {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} [فاطر: ٣٢] أَيْ: يَخْلِطُ الْحَسَنَاتِ بِالسَّيِّئَاتِ {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: ٣٢] أَيْ: بِالطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ) إِيذَانٌ بِأَنَّ: جَنَّاتِ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا مُبْتَدَأُ خَبَرِ الضَّمِيرِ لِلثَّلَاثَةِ أَوْ لِلْمُقْتَصِدِ وَالسَّابِقِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا الْجِنْسُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: ٣٢] إِشَارَةٌ إِلَى الْإِيرَاثِ أَوِ الِاصْطِفَاءِ أَوِ السَّابِقِ فَإِنَّ الْمُرَادَ مَا قَرَّرَهُ الْقَاضِي، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْكَشَّافُ مِنْ أَنَّ (جَنَّاتٍ) بَدَلٌ مِنَ الْفَضْلِ الْكَبِيرِ الْمَعْنِيِّ بِهِ السَّبْقُ وَأُخْرِجَ الظَّالِمُ وَالْمُقْتَصِدُ مِنْ هَذَا الْعَامِّ وَمِنَ الْفَضْلِ الْكَبِيرِ وَالْجَنَّاتِ، وَيُطَابِقُ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُمْ: {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: ٣٤] أَيْ: كَثِيرُ الْغُفْرَانِ لِلظَّالِمِ وَكَثِيرُ الشُّكْرِ أَيِ: الْإِثَابَةِ لِلسَّابِقِ فَالْتَأَمَ السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ) وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي الْبَعْثِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ: «سَابِقُنَا سَابِقٌ وَمُقْتَصِدُنَا نَاجٍ وَظَالِمُنَا مَغْفُورٌ لَهُ» ، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِثَوْبَانَ: أَمَّا السَّابِقُ فَمَنْ مَضَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَأَمَّا الْمُقْتَصِدُ فَمَنِ اتَّبَعَ أَثَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى لَحِقَ بِهِ، وَأَمَّا الظَّالِمُ فَمِثْلِي وَمِثْلُكَ، وَعَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - الظَّالِمُ أَنَا وَالْمُقْتَصِدُ أَنَا وَالسَّابِقُ أَنَا، فَقِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَنَا الظَّالِمُ بِمَعْصِيَتِي وَمُقْتَصِدٌ بِتَوْبَتِي وَسَابِقٌ بِمَحَبَّتِي، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: السَّابِقُ مَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ وَالْمُقْتَصِدُ مَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ وَالظَّالِمُ الَّذِي تَرَجَّحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ، وَقَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: فِرَقُ الْمُؤْمِنِينَ ثَلَاثُ فِرَقٍ، ثُمَّ سَمَّاهُمْ.

(عِبَادُنَا) أَضَافَهُمْ إِلَى نَفْسِهِ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَكَرَمًا وَجَعَلَهُمْ أَصْفِيَاءَ مَعَ عِلْمِهِ بِتَفَاوُتِ مُعَامَلَاتِهِمْ، ثُمَّ جَمَعَهُمْ فِي آخِرِ الْآيَةِ فَقَالَ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر: ٣٣] وَبَدَأَ بِالظَّالِمِينَ إِخْبَارًا بِأَنَّهُ لَا يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ إِلَّا بِمَحْضِ كَرَمِهِ، وَأَنَّ الظُّلْمَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الِاصْطِفَائِيَّةِ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمُقْتَصِدِينَ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، ثُمَّ خَتَمَ بِالسَّابِقِينَ لِئَلَّا يَأْمَنَ أَحَدٌ مَكْرَهُ وَلَا يَقْنَطُ مِنْ كَرْمِهِ، وَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ بِحُرْمَةِ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، وَقَالَ الْجُنَيْدُ: لَمَّا ذَكَرَ الْمِيرَاثَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ فِيهِ خَاصٌّ وَعَامٌّ، وَأَنَّ الْمِيرَاثَ لِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ نَسَبًا، وَأَصَحُّ أَدَبًا فَتَصْحِيحُ النِّسْبَةِ هُوَ الْأَصْلُ فَالظَّالِمُ الَّذِي يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ، وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يُحِبُّهُ لَهُ، وَالسَّابِقُ الَّذِي أَسْقَطَ عَنْهُ مُرَادَهُ بِمُرَادِ الْحَقِّ فِيهِ فَلَا يَرَى لِنَفْسِهِ طَلَبًا وَلَا مُرَادًا لِغَلَبَةِ سُلْطَانِ الْحَقِّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الظَّالِمُ الَّذِي يَجْزَعُ عِنْدَ الْبَلَاءِ وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يَصْبِرُ عَلَى الْبَلَاءِ وَالسَّابِقُ الَّذِي يَشْكُرُ عَلَى الْبَلَاءِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>