(بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالْمَنَامِ)
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
٢٣٨١ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَمْسَى قَالَ: " أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَسُوءِ الْكِبَرِ وَفِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا: أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ» " وَفِي رِوَايَةٍ: " «رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ» " (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
ــ
(بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ)
يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا طَرَفَا النَّهَارِ، وَأَنْ يُقْصَدَ بِهِمَا النَّهَارُ وَاللَّيْلُ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ: أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ (وَالْمَنَامِ) أَيْ: فِي مَكَانِ النَّوْمِ أَوْ زَمَانِهِ أَوِ الْمَنَامِ، مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ أَيْ: عِنْدَ إِرَادَةِ النَّوْمِ أَيْ: دَخَلَ فِي الْمَسَاءِ وَهُوَ أَوَّلُ اللَّيْلِ.
٢٣٨١ - (عَنْ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَمْسَى قَالَ: أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ» ) أَيْ: دَخَلْنَا فِي الْمَسَاءِ وَدَخَلَ فِيهِ الْمُلْكُ كَائِنًا لِلَّهِ وَمُخْتَصًّا بِهِ، أَوِ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ أَوْ بِدُونِهِ أَيْ: أَمْسَيْنَا وَقَدْ صَارَ، بِمَعْنَى: كَانَ وَدَامَ الْمُلْكُ لِلَّهِ (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: عَطْفٌ عَلَى أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ أَيْ: صِرْنَا نَحْنُ وَجَمِيعُ الْمُلْكِ وَجَمِيعُ الْحَمْدِ لِلَّهِ. اهـ أَيْ: عَرَفْنَا فِيهِ أَنَّ الْمُلْكَ لِلَّهِ وَأَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ مُسْتَقِلَّةً وَالتَّقْدِيرُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ (وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ: عَطْفٌ عَلَى (الْحَمْدُ لِلَّهِ) عَلَى تَأْوِيلٍ وَأَمْسَى الْفَرْدَانِيَّةُ وَالْوَحْدَانِيَّةُ مُخْتَصَّيْنِ بِاللَّهِ (وَحْدَهُ) حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ، أَيْ: مُنْفَرِدًا بِالْأُلُوهِيَّةِ (لَا شَرِيكَ لَهُ) أَيْ: فِي صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلِذَا أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ (لَهُ الْمُلْكُ) أَيْ: جِنْسُهُ مُخْتَصٌّ لَهُ (وَلَهُ الْحَمْدُ) أَيْ: بِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) أَيْ: مَشِيءٍ أَوْ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَاءَ (قَدِيرٌ) كَامِلُ الْقُدْرَةِ تَامُّ الْإِرَادَةِ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ) أَيْ: نَصِيبًا وَأَمْرًا وَحَظًّا وَافِيًا (مِنْ خَيْرِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ) أَيْ: ذَاتِهَا عَيْنِهَا (وَخَيْرِ مَا فِيهَا) قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: مِنْ خَيْرِ مَا يَنْشَأُ فِيهَا وَخَيْرِ مَا يَسْكُنُ فِيهَا، قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ} [الأنعام: ١٣] وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ مِمَّا أَرَدْتَ وُقُوعَهُ فِيهَا لِخَوَاصِّ خَلْقِكَ مِنَ الْكَمَالَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَخَيْرُ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أُمِرْنَا بِهَا فِيهَا، أَوِ الْمُرَادُ خَيْرُ الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي قَارَنَ وَجُودُهَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَخَيْرُ كُلِّ مَوْجُودٍ الْآنَ (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا) فِي الْحَدِيثِ إِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى تَصْرِيفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ خَيْرَهُ وَشَرَّهُ بِيَدِ اللَّهِ وَأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، وَفِيهِ تَعْلِيمٌ لِلْأُمَّةِ لِيَتَعَلَّمُوا آدَابَ الدُّعَاءِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ مَسْأَلَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرَ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مَجَازٌ عَنْ قَبُولِ طَاعَاتٍ قِدَّمَهَا فِيهَا، وَاسْتِعَاذَتُهُ مِنْ شَرِّهَا مَجَازٌ عَنْ طَلَبِ الْعَفْوِ عَنْ ذَنْبٍ قَارَفَهُ فِيهَا ( «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ» ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ: التَّثَاقُلِ فِي الطَّاعَةِ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْكَسَلُ التَّثَاقُلُ عَمَّا لَا يَنْبَغِي التَّثَاقُلُ عَنْهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِعَدَمِ انْبِعَاثِ النَّفْسِ لِلْخَيْرِ مَعَ ظُهُورِ الِاسْتِطَاعَةِ (وَالْهَرَمِ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: كِبَرِ السِّنِّ الْمُؤَدِّي إِلَى تَسَاقُطِ بَعْضِ الْقُوَّةِ وَضَعْفِهَا وَهُوَ الرَّدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ; لِأَنَّهُ يَفُوتُ فِيهِ الْمَقْصُودُ بِالْحَيَاةِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: ٥] فَانْدَفَعَ بِهِ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّ سَبَبَ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ كَوْنُهُ لَا دَوَاءَ لَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ (وَسُوءِ الْكِبَرِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَهُوَ الْأَصَحُّ رِوَايَةً وَدِرَايَةً أَيْ: مَا يُورِثُهُ الْكِبَرُ مِنْ ذَهَابِ الْعَقْلِ وَاخْتِلَاطِ الرَّأْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسُوءُ بِهِ الْحَالُ، وَرُوِيَ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَطَرُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالدِّرَايَةُ تُسَاعِدُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى ; لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْبَطَرِ وَالْهَرَمِ بِالْعَطْفِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضَّبِّ وَالنُّونِ، وَنَازَعَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ: الْأَوَّلُ أَصَحُّ أَيْ: أَشْهَرُ رِوَايَةً، وَأَمَّا دِرَايَةً فَالثَّانِي يُفِيدُ مَا لَا يُفِيدُهُ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ الْهَرَمُ فَهُوَ تَأْسِيسٌ مَحْضٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُفِيدُ ضَرْبًا مِنَ التَّأْكِيدِ وَالتَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنَ التَّأْكِيدِ. اهـ وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرَةٌ غَايَةَ الظُّهُورِ عَلَى الطِّيبِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا بَيْنَ الضَّبِّ وَالنُّونِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْمُنَاسَبَةِ وَالْمُلَاءَمَةِ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفِينَ كَمَا اعْتَبَرَهُ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي، مَعَ أَنَّ الطِّيبِيَّ لَمْ يَقُلْ بِالتَّأْكِيدِ بَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute