(الْفَاعِلِ أَيْ: لَمْ يُوجَدْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَ كَوْنِهِ تَارِكًا لَهُ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ رَكَاكَةِ الْمَعْنَى مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ظُهُورِ نُقْصَانِ الْكَوْنِ وَخَفَاءِ تَمَامِهِ، ثُمَّ مِنَ الْعَجِيبِ أَنَّهُ نَاقَضَ كَلَامَهُ الْمُصَرَّحَ الدَّالَّ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى الطِّيبِيِّ بِقَوْلِهِ: وَقَالَ الشَّارِحُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْكَشَّافِ: لَمْ يَكُنْ يَدَعُ هَؤُلَاءِ أَيْ: لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ ذَلِكَ وَلَا يَلِيقُ بِحَالِهِ أَنْ يَدَعَهَا اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ بَلْ يَتَأَتَّى مِنْهُ تَرْكُهَا، وَيَلِيقُ بِحَالِهِ لِبَيَانِ جَوَازِ تَرْكِهَا الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَلِلِاشْتِغَالِ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا اهـ اعْتِرَاضُهُ الثَّابِتُ بِهِ انْتِقَاضُهُ، وَأَقُولُ لَيْسَ مُرَادُ الشَّارِحِ إِلَّا الْمُبَالَغَةَ فِي الْمُوَاظَبَةِ كَمَا هِيَ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ الرِّوَايَةِ، وَإِلَّا فَمِنَ الْإِجْمَاعِ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ قِرَاءَتَهُ هَذَا الدُّعَاءَ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا حَتَّى يُقَالَ بَلْ يَتَأَتَّى مِنْهُ تَرْكُهَا إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُوهَمِ مِنْهُ تَسْلِيمُ كَوْنِهِ وَاجِبًا، وَيَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ لِبَيَانِ جَوَازِ التَّرْكِ لِغَيْرِهِ أَوْ لِلِاشْتِغَالِ بِالْأَهَمِّ مِنْهُ، ثُمَّ تَرَكْتُ مَا أَطْنَبَهُ مِنْ إِيرَادِ كَلَامِ الشَّارِحِ وَكَلَامِ صَاحِبِ الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ} [غافر: ٨٥] لِعَدَمِ تَعَلُّقِ النَّفْعِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ ( «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ» ) أَيِ: السَّلَامَةَ مِنَ الْآفَاتِ الدِّينِيَّةِ وَالْحَادِثَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِتَحَمُّلِهَا وَالصَّبْرِ عَلَيْهَا وَالرِّضَا بِقَضَائِهَا (فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) وَقِيلَ: دِفَاعَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْعَبْدِ الْأَسْقَامَ وَالْبَلَايَا، وَهِيَ مَصْدَرٌ جَاءَ عَلَى فَاعِلَةٍ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ سَيِّئَ الْأَسْقَامِ كَالْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ ( «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ» ) أَيِ: التَّجَاوُزَ عَنِ الذُّنُوبِ (وَالْعَافِيَةَ) أَيِ: السَّلَامَةَ مِنَ الْعُيُوبِ (فِي دِينِي وَدُنْيَايَ) أَيْ: فِي أُمُورِهِمَا (وَأَهْلِي وَمَالِي) أَيْ: فِي حَقِّهِمَا ( «اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي» ) أَيْ: عُيُوبِي، أَوِ امْحُ ذُنُوبِي (وَآمِنْ رَوْعَاتِي) أَيْ: مَخُوفَاتِي فِي جُمْلَةِ حَالَاتِي، وَإِيرَادُهُمَا لِصِيغَةِ الْجَمْعِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِشَارَةٌ إِلَى كَثْرَتِهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْعَوْرَةُ مَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ وَيَسُوءُ صَاحِبُهُ أَنْ يُرَى، وَالرَّوْعَةُ الْفَزْعَةُ (اللَّهُمَّ احْفَظْنِي) أَيِ: ادْفَعِ الْبَلَاءَ عَنِّي (مِنْ بَيْنِ يَدِي) أَيْ: أَمَامِي (وَمِنْ خَلْفِي) أَيْ: وَرَائِي (وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف: ١٧] : إِنَّمَا عُدِّيَ الْفِعْلُ إِلَى الْأَوَّلَيْنِ بِحَرْفِ الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ مِنْهُمَا مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِمْ، وَإِلَى الْأَخِيرَيْنِ بِحَرْفِ الْمُجَاوَزَةِ فَإِنَّ الْآتِيَ مِنْهُمَا كَالْمُنْحَرِفِ عَنْهُمُ الْمَارِّ عَلَى عُرْضِهِمْ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ جَلَسْتُ عَنْ يَمِينِهِ (وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ) وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ أَنْ (أُغْتَالَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: أُوخَذَ بَغْتَةً وَأَهْلِكَ غَفْلَةً (مِنْ تَحْتِي) قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: الِاغْتِيَالُ هُوَ أَنْ يُخْدَعَ وَيُقْتَلَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَاهُ فِيهِ أَحَدٌ (قَالَ وَكِيعٌ) أَحَدُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ (يَعْنِي الْخَسْفَ) أَيْ يُرِيدُ النَّبِيُّ - صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاغْتِيَالِ مِنَ الْجِهَةِ التَّحْتَانِيَّةِ الْخَسْفَ، فِي الْقَامُوسِ خَسَفَ اللَّهُ بِفُلَانٍ الْأَرْضَ: غَيَّبَهُ فِيهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: عَمَّ الْجِهَاتِ لِأَنَّ الْآفَاتِ مِنْهَا، وَبَالَغَ فِي جِهَةِ السُّفْلِ لِرَدَاءَةِ الْآفَةِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَا حِيلَةَ فِي دَفْعِ مَا يُخْشَى وُقُوعُهُ فِيهَا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْجِهَاتِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ فِيهَا الْحِيلَةُ حَتَّى جِهَةِ الْفَوْقِ فَمِمَّا لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَكَذَا ابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute