(بَابُ الدَّعَوَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ)
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
٢٤١٦ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
(بَابُ الدَّعَوَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ فِي الْأَوْقَاتِ)
أَيِ: الْمُخْتَلِفَةِ مِمَّا قَدَّرَ لَهَا الشَّارِعُ، وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا وَرَدَ مِنَ الشَّارِعِ فِي زَمَنٍ أَوْ حَالٍ مَخْصُوصٍ يُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ لِذَلِكَ وَلَوْ مَرَّةً لِلِاتِّبَاعِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بَلْ وَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى الْقُرْآنِ، وَإِنْ وَرَدَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ فَضْلٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا ; لِأَنَّ فِي الِاتِّبَاعِ مَا يَرْبُو عَلَى غَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: صَلَاةُ النَّافِلَةِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ تَخْتَصُّ بِهِ اهـ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الدَّعَوَاتِ وَالْأَذْكَارَ الْمَسْنُونَةَ الْمُعَيَّنَةَ فِي حَالٍ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَمْثَالِهَا لَا شَكَّ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا أَفْضَلُ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنَ الْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ سَوَاءٌ تَكُونُ مُعَيَّنَةً أَوْ مُطْلَقَةً فَلَا نَقُولُ إِنَّهَا أَفْضَلُ مِنَ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِكَايَةً عَنْ رَبِّهِ ( «مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ عَنْ ذَكَرِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» ) .
٢٤١٦ - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ أَحَدَهُمْ، وَلَوْ إِمَّا شَرْطِيَّةٌ وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ أَيْ: لَنَالَ خَيْرًا كَثِيرًا، وَإِمَّا لِلتَّمَنِّي وَجَزَاؤُهَا (قَالَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ) أَيْ: يُجَامِعَ (أَهْلَهُ) أَيِ: امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ أَيْ: جِمَاعًا مُبَاحًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَيَلُوحُ إِلَيْهِ أَهْلُهُ، وَإِذَا شَرْطِيَّةٌ وَحِينَئِذٍ لَا تَحْتَاجُ إِلَى جَوَابٍ أَيْ: تَمَنَّيْتُ ثُبُوتَ هَذَا لِأَحَدِكُمْ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: لَوْ لِلتَّمَنِّي وَجَزَاؤُهَا تَقْدِيرُهُ لَوْ ثَبَتَ حِينَ أَرَادَ أَحَدُهُمْ إِتْيَانَ أَهْلِهِ لَكَانَ حَسَنًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ لِأُمَّتِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَإِذَا خَبَرُ إِنَّ، أَوْ ظَرْفٌ لِخَبَرِهَا (قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ) أَيْ: مُسْتَعِينًا بِهِ وَيَذْكُرُ اسْمَهُ (اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا) أَيْ: بَعِّدْنَا، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ: أَيْ بَعِّدْ أَنَا وَهِيَ (الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا) أَيْ: حِينَئِذٍ مِنَ الْوَلَدِ وَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِجَنِّبِ (فَإِنَّهُ) تَعْلِيلٌ أَيِ: الشَّأْنَ (إِنْ يُقَدَّرَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ) أَيِ: الْوَقْتِ أَوِ الْإِتْيَانِ أَيْ: بِسَبَبِهِ (لَمْ يَضُرَّهُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا أَيْ: يَضُرَّ دِينَ ذَلِكَ الْوَلَدِ (شَيْطَانٌ) أَيْ: مِنَ الشَّيَاطِينِ، أَوْ مِنْ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ (أَبَدًا) وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى حُسْنِ خَاتِمَةِ الْوَلَدِ بِبَرَكَةِ ذِكْرِ اللَّهِ فِي ابْتِدَاءِ وُجُودِ نُطْفَتِهِ فِي الرَّحِمِ، فَالضُّرُّ مُخْتَصٌّ بِالْكُفْرِ فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ كَثِيرًا يَقَعُ ذِكْرُ ذَلِكَ وَيَكُونُ الْوَلَدُ غَيْرَ مَحْفُوظٍ مِنَ الشَّيْطَانِ، مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُخْلِصًا، أَوْ مُتَّصِفًا بِشُرُوطِ الدُّعَاءِ، أَوْ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ الْوَلَدَ شَيْطَانٌ بِالْجُنُونِ وَالصَّرَعِ وَنَحْوِهِمَا، وَقِيلَ: نَكَّرَهُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ أَرَادَ فِي الْأَوَّلِ الْجِنْسَ وَفِي الْآخِرِ إِفْرَادَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْعُمُومِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَوَّلِ إِبْلِيسُ وَبِالثَّانِي أَعَمُّ، أَوْ بِالثَّانِي سَائِرُ أَعْوَانِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ إِلَخْ، فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: (لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ أَبَدًا) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ: أَيْ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ، وَلَمْ يُظْهِرْ مَضَرَّتَهُ فِي حَقِّهِ بِنِسْبَةِ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَمْ يَصْرَعْهُ، وَقِيلَ: لَمْ يَطْعَنْ فِيهِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. أَقُولُ: لَعَلَّ مُرَادَهُ لَمْ يَطْعَنْ طَعْنًا شَدِيدًا لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى الْمُطْلَقَ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ عِيسَى وَأُمُّهُ، وَأَيْضًا هُوَ خَلَاصُ الْمُشَاهَدِ مِنْ أَثَرِ الطَّعْنِ وَهُوَ صِيَاحُ الْمَوْلُودِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَحْمِلْ أَحَدٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى الْعُمُومِ فِي جَمِيعِ الضَّرَرِ وَالْإِغْوَاءِ وَالْوَسْوَسَةِ اهـ وَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَى الْوَسْوَسَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا مَعْصُومٌ؟ ! لَكِنَّ الصَّادِقَ قَدْ أَخْبَرَ هَذَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ ظَاهِرٌ وَإِلَّا فَمَا الْفَائِدَةُ فِيهِ، وَمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ بِالْعَمَلِ بِهَذَا فَرَأَى مِنَ الْبَرَكَةِ فِي وَلَدِهِ تَحَقَّقَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا أَنَّهُ إِذَا أَنْزَلَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ لِلشَّيْطَانِ فِيمَا رَزَقْتَنِي نَصِيبًا، وَلَعَلَّهُ يَقُولُهَا فِي قَلْبِهِ أَوْ عِنْدَ انْفِصَالِهِ لِكَرَاهَةِ ذِكْرِ اللَّهِ بِاللِّسَانِ فِي حَالِ الْجِمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute