لَهُ وَعَلَيْهِ، وَحَكَمْتُ لَهُ وَعَلَيْهِ، لَا فِي كُلِّ فِعْلٍ يَتَعَدَّى بِعَلَى، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْإِشْكَالِ، وَأَوْرَدَ فِيهِ السَّؤَالَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالِي: " صَلُّوا عَلَيْهِ " وَتَرَدُّدُهُ لَهُ وَجْهٌ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ، فَتَوَهَّمَ أَنَّهَا مِثْلُهُ، وَلَمْ يَفْهَمِ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْمُتَرَادِفَيْنِ فِي التَّعْدِيَةِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ دُعَاءٌ بِخَيْرٍ فِي اللُّغَةِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الْمُتَعَلِّقِ إِنَّمَا هُوَ فِي الدُّعَاءِ الْمُطْلَقِ فَتَأَمَّلْ وَتَحَقَّقْ (" اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ ") : أَيْ: عَنِ الْحَقِّ، وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنَ الزَّلَّةِ، وَهِيَ ذَنْبٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ تَشْبِيهًا بِزَلَّةِ الرِّجْلِ. وَفِي الْحِصْنِ زِيَادَةٌ: أَوْ نُزَلَّ مِنَ الْإِزْلَالِ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَيَصِحُّ ضَمُّ النُّونِ مَعَ كَسْرِ الزَّايِ وَمَعَ فَتْحِهَا، فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ ضَبْطِ الْكِتَابِ عَلَى مَا فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ وَالْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ، (أَوْ نَضِلَّ) : مِنَ الضَّلَالَةِ أَيْ: عَنِ الْهُدَى. وَفِي الْمَصَابِيحِ زِيَادَةُ: أَوْ نُضَلَّ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أَيْ: يُضِلَّنَا أَحَدٌ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: نَضِلَّ مِنْ ضَلَّ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ إِذَا غَابَ، فَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِلْمَقَامِ سَابِقًا وَلَاحِقًا مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي مَعَانِيهَا عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ: ضَلَّ يَضِلُّ وَبِفَتْحِ الضَّادِ ضَاعَ وَمَاتَ وَصَارَ تُرَابًا وَعِظَامًا وَخَفِيَ وَغَابَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ هُنَا الضَّمُّ مَعَ الْكَسْرِ وَالْفَتْحِ عَلَى وَزْنِ مَا مَرَّ فِي (نَزِلَّ) ثُمَّ قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّةَ جَاءَ فِي رِوَايَةِ: (أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ) بِفَتْحِ هَمْزَتِهِ، وَالثَّانِي: بِضَمٍّ فَكَسْرٍ، أَوْ فَتْحٍ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَتَدَبَّرْ. (" أَوْ نَظْلِمَ ") : أَيْ: أَحَدًا (" أَوْ نُظْلَمَ ") : أَيْ: مِنْ أَحَدٍ (" أَوْ نَجْهَلَ ") : عَلَى بِنَاءِ الْمَعْرُوفِ أَيْ: أُمُورَ الدِّينِ، أَوْ حُقُوقَ اللَّهِ، أَوْ حُقُوقَ النَّاسِ، أَوْ مَعْرِفَةَ اللَّهِ، أَوْ فِي الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ مَعَ الْأَصْحَابِ، أَوْ نَفْعَلَ بِالنَّاسِ فِعْلَ الْجُهَّالِ مِنَ الْإِيذَاءِ وَإِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَيْهِمْ (" أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ ") بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: يَفْعَلُ النَّاسُ بِنَا أَفْعَالَ الْجُهَّالِ مِنْ إِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَيْنَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: الزَّلَّةُ السَّيِّئَةُ بِلَا قَصْدٍ، اسْتَعَاذَ مِنْ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ ذَنْبٌ بِغَيْرِ قَصْدٍ أَوْ قَصْدٍ، وَمِنْ أَنْ يَظْلِمَ النَّاسَ فِي الْمُعَامَلَاتِ، أَوْ يُؤْذِيَهُمْ فِي الْمُخَالَطَاتِ، أَوْ يَجْهَلَ أَيْ: يَفْعَلَ بِالنَّاسِ فِعْلَ الْجُهَّالِ مِنَ الْإِيذَاءِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ) : وَكَذَا الْحَاكِمُ وَابْنُ السُّنِّيِّ. (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ مَاجَهْ) : أَيْ: فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ (قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: مَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْتِي) وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ بَيْتِهِ (قَطُّ إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ) : بِسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ: نَظَرَهُ (إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ) : أَيْ: عَنِ الْحَقِّ، مِنَ الضَّلَالِ، وَهُوَ ضِدُّ الرَّشَادِ وَالْهِدَايَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ: غَيْرِي وَهُوَ خَطَأٌ مَعْنًى صَوَابٌ لَفْظًا أَوْ (" أَوْ أُضَلَّ ") : مَجْهُولٌ مِنَ الْإِضْلَالِ، كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ النُّسَخِ أَيْ: يُضِلَّنِي أَحَدٌ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَوْ بِفَتْحٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (" أَوْ أَظْلِمَ ") عَلَى بِنَاءِ الْمَعْلُومِ أَيْ: أَحَدًا (" أَوْ أُظْلَمَ ") : عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أَيْ: يَظْلِمَنِي أَحَدٌ (" أَوْ أَجْهَلَ ") : عَلَى بِنَاءِ الْمَعْلُومِ وَمَعْنَاهُ سَبَقَ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَيْ: غَيْرِي غَيْرُ صَحِيحٍ (" أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ ") عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ لَابُدَّ أَنْ يُعَاشِرَ النَّاسَ، وَيُزَاوِلَ الْأَمْرَ، فَيَخَافُ أَنْ يَعْدِلَ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَمْرِ الدِّينِ فَلَا يَخْلُو مَنْ يَضِلُّ أَوْ يُضَلُّ، وَإِمَّا يَكُونُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا فَإِمَّا بِسَبَبِ جَرَيَانِ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُمْ بِأَنْ يَظْلِمَ أَوْ يُظْلَمَ، وَإِمَّا بِسَبَبِ الِاخْتِلَاطِ وَالْمُصَاحِبَةِ فَإِمَّا أَنْ يَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ، فاَسْتُعِيذَ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوُلِ كُلِّهَا بِلَفْظٍ سَلِسٍ مُوجَزٍ، وَرُوعِي الْمُطَابَقَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ وَالْمُشَاكَلَةُ اللَّفْظِيَّةُ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
أَلَا لَا يَجْهَلَنَّ أَحَدٌ عَلَيْنَا ... فَنَجْهَلُ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا
وَيُعَضِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الْحَدِيثُ الْآتِي. فَقَوْلُهُ: هُدِيتَ مُطَابَقٌ بِقَوْلِهِ: (" أَوْ أُضَلَّ ") وَقَوْلُهُ: كُفِيتَ لِقَوْلِهِ: (" أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ") وَقَوْلُهُ: وُقِيتَ لِقَوْلِهِ: (" أَنْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا ") .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute