حَارَبْتُ أَعْدَاءَكَ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ) أَيْ: بِغَلَبَتِكَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) فَلَا مَوْجُودَ وَلَا مَعْبُودَ وَلَا مَقْصُودَ إِلَّا أَنْتَ وَلَا سُؤَالَ إِلَّا مِنْكَ وَلَا اسْتِعَاذَةَ إِلَّا بِكَ (أَنْ تُضِلَّنِي) مُتَعَلِّقٌ بِأَعُوذُ، وَكَلِمَةُ التَّوْحِيدِ مُعْتَرِضَةٌ لِتَأْكِيدِ الْعِزَّةِ أَيْ: أَعُوذُ مِنْ أَنْ تُضِلَّنِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي وَوَفَّقْتَنِي لِلِانْقِيَادِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فِي حُكْمِكَ وَقَضَائِكَ وَلِلْإِنَابَةِ إِلَى جَنَابِكَ وَالْمُخَاصِمَةِ مَعَ أَعْدَائِكَ وَالِالْتِجَاءِ فِي كُلِّ حَالٍ إِلَى عِزَّتِكَ وَنُصْرَتِكَ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: ٨] (أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) بِالْغِيبَةِ، وَفِي الْحِصْنِ أَنْتَ الْحَيُّ لَا تَمُوتُ بِالْخِطَابِ وَبِدُونِ الْمَوْصُولِ وَفِيهِ تَأْكِيدُ الْعِزَّةِ أَيْضًا، وَأَبْعَدَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ أَنْ تُضِلَّنِي أَيْ: تُغَيِّبَنِي عَنْ حَضْرَتِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ بَلِ اجْعَلْنِي دَائِمَ الشُّهُودِ لَكَ، أَوْ عَنِ الْقِيَامِ بِأَوَامِرِكَ وَنَوَاهِيكَ بَلِ اجْعَلْنِي دَائِمَ التَّعَبُّدِ لَكَ، أَوْ عَنِ الْإِيمَانِ بِكَ بَلِ اجْعَلْنِي دَائِمَ التَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ تُضِلَّنِي لَيْسَ مِنْ مَادَّةِ الْإِضْلَالِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْهِدَايَةِ بَلْ مُتَعَدِّي ضَلَّ بِمَعْنَى غَابَ كَمَا تَوَهَّمَ فِيمَا سَبَقَ، ثُمَّ أَخْطَأَ فِي التَّرْتِيبِ بَيْنَ فِقْرَاتِ كَلَامِهِ إِذْ يَجِبُ تَقَدُّمُ الْإِيمَانِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ عَلَى مَا عَرَفَهُ أَهْلُ الْعِرْفَانِ، ثُمَّ قَالَ وَلَمَّا كَانَ فِي الْإِضْلَالِ بِكُلِّ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ نَوْعٌ مِنَ الْأَمَانَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ عَقَّبَ بِمَا يُوجِبُ ضِدَّهُ مِنَ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ فَقَالَ: أَنْتَ الْحَيُّ إِلَخْ. وَفِيهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَكَلُّفِهِ وَتَعَفُّفِهِ أَنَّ الْأَمَانَةَ الْمَعْنَوِيَّةَ ضِدُّهَا الْحَيَاةُ الْحَقِيقَةُ وَضِدُّ الْحَيَاةِ الْفَانِيَةِ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ وَإِنَّمَا تُبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ بِأَضْدَادِهَا (وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ) خُصَّا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا الْمُكَلَّفَانِ الْمَقْصُودَانِ بِالتَّبْلِيغِ فَكَأَنَّهُمَا الْأَصْلُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute