للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٤٦٨ - (وَعَنْهُ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ» ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

٢٤٦٨ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ: إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ) أَيْ: مِنْ مُخَالَفَةِ الْحَقِّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [ص: ٢] وَقَوْلُ الطِّيبِيِّ: الشِّقَاقُ الْعَدَاوَةُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) لَا يَخْفَى عَنْ بُعْدٍ، وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: قِيلَ فِي مَعْنَى الشِّقَاقِ الْخِلَافُ وَالْعَدَاوَةُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ الْمَذْمُومُ وَبِالثَّانِي الْعَدَاوَةُ لِأَهْلِ الْحَقِّ وَحِينَئِذٍ فَهُمَا قَوْلٌ وَاحِدٍ لَا قَوْلَانِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُخَالَفَةَ مُصَوَّرَةٌ بِدُونِ الْعَدَاوَةِ، وَالْعَدَاوَةُ قَدْ تُوجَدُ بِدُونِ الْمُخَالَفَةِ، وَغَايَتُهُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا عَدَاوَةُ أَهْلِ الْحَقِّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَقَعَ الْمُخَالَفَةُ الصُّورِيَّةُ أَمْ لَا؟ وَمِنِ الْخِلَافِ مُخَالَفَةُ الْحَقِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُغَايَرَةِ أَوْ مُخَالِفَةُ أَهْلِ الْحَقِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا الْعَدَاوَةُ، أَلَا تَرَى إِلَى أَبِي طَالِبٍ كَانَ يُخَالِفُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ يُعَادِيهِ بَلْ كَانَ يُدَافِعُ عَنْهُ وَيُحَامِيهِ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ يُعَادُونَ الشَّيْطَانَ وَغَالِبُهُمْ مَا يُخَالِفُونَهُ، وَقِيلَ الْخِلَافُ وَالْعَدَاوَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُتَعَادِيَيْنِ يَكُونُ فِي شِقٍّ أَيَّ نَاحِيَةٍ أَوْ يُرِيدُ مَشَقَّةَ الْآخَرِ (وَالنِّفَاقِ) أَيْ: إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ وَإِبِطَانِ الْكُفْرِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ أَنَّ تُظْهِرَ لِصَاحِبِكَ خِلَافَ مَا تُضْمِرُهُ، وَقِيلَ النِّفَاقُ فِي الْعَمَلِ بِكَثْرَةِ كَذِبِهِ وَخِيَانَةِ أَمَانَتِهِ وَخُلْفِ وَعْدِهِ وَالْفُجُورِ فِي مُخَاصَمَتِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ اللَّامَ لِلْجِنْسِ فَيَشْمَلُ جَمِيعَ أَفْرَادِهِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْ رَجَّحَ بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ عَلَى بَعْضٍ وَطَعَنَ عَلَى غَيْرِهِ كَابْنِ حَجَرٍ عَلَى الطِّيبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ يَجْمَعُ الْأَقْوَالَ جَمِيعًا (وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْمَذْكُورَيْنِ أَوَّلًا أَعْظَمُ الْأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ لِأَنَّهُ يَسْرِي ضَرَرُهُمَا إِلَى الْغَيْرِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَوْصَافُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةُ كَالزِّنَا وَالْحَسَدِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ ذَانِكَ أَعْظَمَهَا بِمُقْتَضَى مَا فَسَّرَهُمَا بِهِ مِمَّا رَدَدْتُهُ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُرَادَ بِهَا كُلُّ خُلُقٍ ذَمَّهُ الشَّرْعُ وَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ كَكَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَحِينَئِذٍ فَلَا إِشْعَارَ فِيهِ بِمَا ذُكِرَ عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ كَوْنَ ذَيْنِكَ أَعْظَمَهَا بَلْ مِنَ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَيْنِكَ كَالْحَسَدِ وَالْجَبَرُوتِ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ قَتْلُ النَّفْسِ وَهَتْكُ الْأَعْرَاضِ بِنَحْوِ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالْأَمْوَالُ بِنَحْوِ السَّرِقَةِ، قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَيْنَ قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَوْصَافُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةُ دُونَ مُطْلَقِ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ ثُمَّ قَوْلُهُ كَالزِّنَا خَطَأٌ فَاحِشٌ فَإِنَّهُ مِنَ الْأَفْعَالِ لَا مِنَ الْأَخْلَاقِ وَكَذَا كَثْرَةُ الْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَكَأَنَّهُ مَا قَرَأَ شَيْئًا مِنْ كُتُبِ الْأَخْلَاقِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى جَمِيعِهَا الْإِحْيَاءُ فِي الْمُنْجِيَاتِ وَالْمُهْلِكَاتِ وَلَوْ عَرَفَهَا لَفَهِمَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمُحَرَّمَةَ وَالْمَكْرُوهَةَ كُلَّهَا تَنْشَأُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ فَإِنَّهُ يَنْشَأُ مِنْهَا الْأَفْعَالُ الذَّمِيمَةُ كَقَتْلِ النَّفْسِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ ظُلْمًا وَهَتْكِ الْأَعْرَاضِ بَلْ وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ كَالْحَسَدِ وَالْجَبَرُوتِ وَغَيْرِهِمَا، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» " وَأَشَارَ الشَّاطِبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَقُلْ صَادِقًا لَوْلَا الْوِئَامُ وَرُوحُهُ لَطَاحَ الْأَنَامُ الْكُلُّ فِي الْخُلْفِ وَالْقِلَى

إِيمَاءً إِلَى الْمَثَلِ الْمَشْهُورِ " لَوْلَا الْوِئَامُ لَهَلَكَ الْأَنَامُ " وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هُوَ إِيذَاءُ أَهْلِ الْحَقِّ وَإِيذَاءُ الْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ وَتَغْلِيظُ الْكَلَامِ عَلَيْهِمْ بِالْبَاطِلِ وَعَدَمُ التَّحَمُّلِ عَنْهُمْ وَعَدَمُ الْعَفْوِ عَنْهُمْ إِذَا صَدَرَتْ خَطِيئَةٌ مِنْهُمْ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>