للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٤٩٩ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «دُعَاءٌ حَفِظْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَدَعُهُ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أُعْظِمُ شُكْرَكَ، وَأُكْثِرُ ذِكْرَكَ، وَأَتَّبِعُ نُصْحَكَ، وَأَحْفَظُ وَصِيَّتَكَ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

٢٤٩٩ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: دُعَاءٌ) : مُبْتَدَأٌ (حَفِظْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : صِفَةٌ لِلْمُبْتَدَأِ مُسَوِّغٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ: (لَا أَدَعُهُ) : أَيْ: لَا أَتْرُكُهُ لِنَفَاسَتِهِ. (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أُعْظِمُ) : بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَرَفْعِ الْمِيمِ، وَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ بِتَقْدِيرِ أَنْ أَوْ بِغَيْرِهِ مُعْظِمًا (شُكْرَكَ) : أَيْ: بَعْدَ تَعْظِيمِ نِعْمَتِكَ اللَّازِمِ مِنْهَا تَعْظِيمُ الْمُنَعَّمِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: اجْعَلْنِي. بِمَعْنَى صَيِّرْنِي، وَلِذَلِكَ أَتَى بِالْمَفْعُولِ الثَّانِي فِعْلًا، لِأَنَّهُ صَارَ مَنْ دَوَاخِلِ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ اهـ.

وَهُوَ مُوهِمٌ أَنَّ جَعْلَ مَتَى يَكُونُ بِمَعْنَى صَارَ يُؤْتَى بِالْمَفْعُولِ الثَّانِي فِعْلًا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} [النبأ: ٩] بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ جَعَلَ لَيْسَ بِمَعْنَى خَلَقَ كَمَا يُسْتَعْمَلُ تَارَةً نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: ١] فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَيُسْتَعْمَلُ مَرَّةً بِمَعْنَى صَارَ، فَحِينَئِذٍ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ: أَعُدُّهُ عَظِيمًا أَوْ آتِي بِهِ عَظِيمًا، فَلَا يَخْفَى عَدَمُ ظُهُورِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ عُدُولِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ.

(وَأُكْثِرُ) : مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا (ذِكْرَكَ) : أَيْ: لِسَانًا وَجِنَانًا، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصًا بَعْدَ تَعْمِيمٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ: تَصْرِيحٌ مِمَّا عُلِمَ قَبْلَهُ إِطْنَابًا وَاسْتِلْذَاذًا بِالْخِطَابِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا يَكُونُ الثَّانِي مَفْهُومَ مَنْطُوقِ الْأَوَّلِ، فَتَأَمَّلْ.

(وَأَتَّبِعَ) : بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْأَوْلَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ (نُصْحَكَ) بِضَمِّ النُّونِ أَيْ: نَصِيحَتَكَ (وَأَحْفَظُ وَصِيَّتَكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: النَّصِيحَةُ وَالْوَصِيَّةُ مُتَقَارِبَانِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، فَإِنَّ النَّصِيحَةَ هِيَ إِرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ، فَيُرَادُ بِهَا حُقُوقُ الْعِبَادِ، وَبِالْوَصِيَّةِ مُتَابَعَةُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>