للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(كِتَابُ الْمَنَاسِكِ)

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)

٢٥٠٥ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ثُمَّ قَالَ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ. فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ــ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٢٥٠٥ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا) أَيْ وَعَظَنَا أَوْ خَطَبَ لَنَا عَامَ فُرِضَ الْحَجُّ فِيهِ، أَوْ ذَكَرَ لَنَا فِي أَثْنَاءِ خِطْبَةٍ لَهُ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَيْكُمُ الْحَجُّ فَحُجُّوا) فَحَجَّ بِالنَّاسِ ثَمَانٍ، وَهِيَ عَامُ الْفَتْحِ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ، وَحَجَّ بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ فِي سَنَةِ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَتْ حَجَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ عَشْرٍ كَذَا وَذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: فَرْضِيَّةُ الْحَجِّ كَانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ، أَوْ سَنَةَ خَمْسٍ، أَوْ سَنَةَ سِتٍّ وَتَأْخِيرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ تَعْرِيضُ الْفَوَاتِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْفَوْرِ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعِيشُ حَتَّى يَحُجَّ وَيُعَلِّمَ النَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ تَكْمِيلًا لِلتَّبْلِيغِ اهـ.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَهُ عَنْ سَنَةِ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ لِعَدَمِ فَتْحِ مَكَّةَ، وَأَمَّا تَأْخِيرُهُ عَنْ سَنَةِ ثَمَانٍ فَلِأَجْلِ النَّسِيءِ، وَأَمَّا تَأَخُّرُهُ عَنْ سَنَةِ تِسْعٍ فَلِمَا ذَكَرْنَا فِي رِسَالَةٍ مُسَمَّاةٍ بِالتَّحْقِيقِ فِي مَوْقِفِ الصِّدِّيقِ.

هَذَا وَقِيلَ وَجَبَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ حَتَّى تَحَصَّلَ أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا، وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ» ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ حَجَّ حِجَجًا لَا يُعْلَمُ عَدَدُهَا.

وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَجَّ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ حِجَجًا» ، وَأَمَّا مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ حَجَّتَيْنِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ ثَلَاثًا فَمَبْنِيٌّ عَلَى عِلْمِهِ وَلَا يُنَافِي إِثْبَاتَ زِيَادَةِ ذِكْرِهِ (فَقَالَ رَجُلٌ) يَعْنِي الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ (أَكُلَّ عَامٍ) بِالنَّصْبِ لِمُقَدَّرٍ: أَيْ تَأْمُرُنَا أَنْ نَحُجَّ بِكُلِّ عَامٍ، أَوْ أَفُرِضَ عَلَيْنَا أَنْ نَحُجَّ كُلَّ عَامٍ؟ (يَا رَسُولَ اللَّهِ) قِيلَ: إِنَّمَا صَدَرَ هَذَا السُّؤَالُ عَنْهُ لِأَنَّ الْحَجَّ فِي تَعَارُفِهِمْ هُوَ الْقَصْدُ بَعْدَ الْقَصْدِ، فَكَانَتِ الصِّيغَةُ مُوهِمَةً لِلتَّكْرَارِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَبْنَى السُّؤَالِ قِيَاسُهُ عَلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَزَكَاةِ الْأَمْوَالِ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ تَكْرَارَهُ كُلَّ عَامٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحَالِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الْكَمَالِ.

(فَسَكَتَ) أَيْ عَنْهُ أَوْ عَنْ جَوَابِهِ أَوْ لِأَنَّ السُّكُوتَ جَوَابُ الْجَاهِلِ فَإِنَّ حُسْنَ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ (حَتَّى قَالَهَا) أَيِ الْأَقْرَعُ الْكَلِمَةَ الَّتِي تَكَلَّمَهَا (ثَلَاثًا) قِيلَ: إِنَّمَا سَكَتَ زَجْرًا لَهُ عَنِ السُّؤَالِ الَّذِي كَانَ السُّكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَسْكُتُ عَمَّا تَحْتَاجُ الْأُمَّةُ إِلَى كَشْفِهَا، فَالسُّؤَالُ عَنْ مِثْلِهِ تَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَقَدْ نَهَوْا عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: ١] وَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ ضَرْبٌ مِنَ الْجَهْلِ، ثُمَّ لَمَّا رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْزَجِرُ وَلَا يَقْنَعُ إِلَّا بِالْجَوَابِ الصَّرِيحِ صَرَّحَ بِهِ (فَقَالَ: لَوْ قَلْتُ نَعَمْ) أَيْ فَرْضًا وَتَقْدِيرًا، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - انْتِظَارًا لِلْوَحْيِ أَوِ الْإِلْهَامِ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قِيلَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِيجَابَ كَانَ مُفَوَّضًا إِلَيْهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ قَوْلَهُ: لَوْ قَلْتُ نَعَمْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ أَوْ بِوَحْيٍ نَازِلٍ أَوْ بِرَأْيٍ يَرَاهُ إِنْ جَوَّزْنَا لَهُ الِاجْتِهَادَ - ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ - وَفِيهِ أَنَّ التَّفْوِيضَ إِلَيْهِ أَيْضًا أَعَمُّ فَلَا يَكُونُ مَرْدُودًا مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ مُجَرَّدًا عَنْ وَحْيٍ جَلِيٍّ أَوْ خَفِيٍّ مَرْدُودٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣ - ٤] (لَوَجَبَتْ) أَيْ هَذِهِ الْعِبَادَةُ أَوْ فَرِيضَةُ الْحَجِّ الْمَدْلُولُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: فُرِضَ، أَوِ الْحَجَّةُ كُلَّ عَامٍ أَوْ حَجَّاتٌ كَثِيرَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَوَجَبَ، بِغَيْرِ تَاءٍ أَيْ لَوَجَبَ الْحَجُّ كُلَّ عَامٍ (وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ) أَوْ مَا قَدَرْتُمْ كُلُّكُمْ إِتْيَانَ الْحَجِّ فِي كُلِّ عَامٍ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (ثُمَّ قَالَ ذَرُونِي) أَيِ اتْرُكُونِي (مَا تَرَكْتُمْ) أَيْ مُدَّةَ تَرْكِي إِيَّاكُمْ مِنَ التَّكْلِيفِ (فَإِنَّمَا هَلَكَ) وَفِي نُسْخَةٍ أُهْلِكَ، بِالْهَمْزِ، عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ (مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) أَيْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ) كَسُؤَالِ الرُّؤْيَةِ وَالْكَلَامِ وَقَضِيَّةِ الْبَقَرَةِ (وَاخْتِلَافِهِمْ) عَطْفٌ عَلَى الْكَثْرَةِ لَا عَلَى السُّؤَالِ لِأَنَّ نَفْسَ الِاخْتِلَافِ مُوجِبٌ لِلْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ الْكَثْرَةِ (عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ) يَعْنِي إِذَا أَمَرَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ بَعْدَ السُّؤَالِ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>