[٤] بَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٢٥٩٢ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَانَ يُهِلُّ مِنَّا الْمُهِلُّ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ مِنَّا فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
[٤] بَابٌ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ أَيِ: الْحُضُورُ (بِعَرَفَةَ) أَيْ: وَلَوْ سَاعَةً فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هِيَ اسْمٌ لِبُقْعَةٍ مَعْرُوفَةٍ اهـ. فَالْجَمْعُ فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: ١٩٨] بِاعْتِبَارِ أَجْزَائِهَا وَأَمَاكِنِهَا. قَالَ الرَّاغِبُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَعَرُّفِ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ بِالْعِبَادَاتِ هُنَاكَ، وَقِيلَ: لِلتَّعَارُفِ فِيهِ بَيْنَ آدَمَ وَحَوَّاءَ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَقِيلَ: لِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرَى إِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَنَاسِكَ أَيْ: مَوَاضِعَ النُّسُكِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَكَانَ يَقُولُ لَهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ: أَعَرَفْتَ هَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، وَقِيلَ: هُوَ يَوْمُ اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفَ أَهْلُ الْحَجِّ، وَقِيلَ: يُعَرِّفُهُمُ اللَّهُ - تَعَالَى - يَوْمَئِذٍ بِالْمَغْفِرَةِ، وَالْكَرَامَةِ، أَيْ: يُطَيِّبُهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى: {عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: ٦] أَيْ: طَيَّبَهَا، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ قَالَ فِي غَرِيبِ " الْمُوَطَّأِ " لَهُ: سُمِّيَتْ عَرَفَةَ: لِخُضُوعِ النَّاسِ وَاعْتِرَافِهِمْ بِذُنُوبِهِمْ، وَقِيلَ: لِصَبْرِهِمْ عَلَى الْقِيَامِ، وَالدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَارِفَ يَصْبِرُ اهـ. إِذْ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ شَيْءٍ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى مَشَقَّتِهِ.
٢٥٩٢ - (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ) نِسْبَةً إِلَى ثَقِيفٍ - بِالْمُثَلَّثَةِ، وَالْقَافِ - قَبِيلَةٌ بِالطَّائِفِ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ (أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمَا) وَالْوَاوُ لِلْحَالِ (غَادِيَانِ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْغُدُوِّ، أَيْ: ذَاهِبَانِ أَوَّلَ النَّهَارِ (مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ) أَيْ: لِلْوُقُوفِ (كَيْفَ كُنْتُمْ؟) أَيْ: مَعَاشِرَ الصَّحَابَةِ (تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ) أَيْ: يَوْمِ عَرَفَةَ (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؟ إِذِ الْعِبْرَةُ بِتِلْكَ الْأَيَّامِ الْمَقْرُونَةِ بِالْمَعِيَّةِ (فَقَالَ) أَيْ: أَنَسٌ (كَانَ يُهِلُّ) أَيْ: يُلَبِّي (مِنَّا الْمُهِلُّ) : أَيِ: الْمُلَبِّي، أَوِ الْمُحْرِمُ (فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، أَيْ: لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ ; فَيُفِيدُ التَّقْرِيرَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ مِنَ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ (وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ مِنَّا فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا رُخْصَةٌ، وَلَا حَرَجَ فِي التَّكْبِيرِ، بَلْ يَجُوزُ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ، وَلَكِنْ لَيْسَ التَّكْبِيرُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ سُنَّةَ الْحُجَّاجِ، بَلِ السُّنَّةُ لَهُمُ التَّلْبِيَةُ إِلَى رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ الْحَاجِّ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ التَّكْبِيرُ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ اهـ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ وَاجِبَةٌ فِي الْمَذْهَبِ، أَوْ سُنَّةٌ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَدَلِيلُ السُّنَّةِ أَنْهَضُ ; وَهُوَ مُوَاظَبَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: ٢٨] فَالظَّاهِرُ مِنْهَا ذِكْرُ اسْمِهِ عَلَى الذَّبِيحَةِ نَسْخًا لِذِكْرِهِمْ عَلَيْهَا غَيْرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ; بِدَلِيلِ {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: ٢٨] اهـ.
فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ (فَأَخَذَا) أَيْ: صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ بَعْدَ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: " كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute