٢٦٠٠ - وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ، وَلَا أَدْحَرُ، وَلَا أَحْقَرُ، وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا رُئِيَ يَوْمَ بَدْرٍ» " [فَقِيلَ: مَا رُئِيَ يَوْمَ بَدْرٍ؟ قَالَ] " فَإِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ، رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا، وَفِي: " شَرْحِ السُّنَّةِ " بِلَفْظِ " الْمَصَابِيحِ ".
ــ
٢٦٠٠ - (وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) - بِالتَّصْغِيرِ عَلَى الصَّحِيحِ - (ابْنِ كَرِيزٍ) - بِفَتْحِ الْكَافِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَسُكُونِ الْيَاءِ، وَزَايٍ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَطَلْحَةُ هَذَا مِنْ تَابِعِي الشَّامِ، وَأَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَ " عُبَيْدُ اللَّهِ " فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَكَانَ " عَبْدِ اللَّهِ " وَهُوَ غَلَطٌ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ الْمَشْهُودُ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْفَرْقُ بِالِاسْتِدْلَالِ ; لِعَدَمِ الِاشْتِبَاهِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الِاسْمَ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إِلَى الْفَرْدِ الْكَامِلِ، أَوِ الْمَشْهُودِ، وَلِذَا اصْطَلَحَ الْمُحَدِّثُونَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْحَسَنَ الْمُطْلَقَ إِلَى الْبَصْرِيِّ، وَأَمَّا هَهُنَا فَحَيْثُ قَيَّدَهُ ابْنُ كَرِيزٍ ارْتَفَعَ الِالْتِبَاسُ، وَقَوْلُهُ: مِنْ تَابِعِي الشَّامِ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمِشْكَاةِ ذَكَرَ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِهِ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ كَرِيزٍ الْخُزَاعِيَّ، تَابِعِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَذَكَرَ طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بِغَيْرِ التَّصْغِيرِ ابْنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْقُرَشِيُّ مِنْ مَشَاهِيرِ التَّابِعِينَ، وَعِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ مَوْصُوفًا بِالْجُودِ، رَوَى عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَغَيْرِهِ اهـ.
وَذَكَرَ فِي " الْمُغْنِي " أَنَّ " كَرِيزًا " بِالْفَتْحِ فِي خُزَاعَةَ، وَبِالضَّمِّ فِي غَيْرِهِمْ، وَفِي " الْمَشَارِقِ " لِابْنِ عِيَاضٍ: طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، بِالْفَتْحِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يُقَيِّدُهُ بِقَوْلِهِ: التَّكْبِيرُ مَعَ التَّصْغِيرِ، وَالتَّصْغِيرُ مَعَ التَّكْبِيرِ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ " مُصَغَّرٌ " و " عُبَيْدُ اللَّهِ " مُصَغَّرٌ " بْنُ كَرِيزٍ " مُكَبَّرٌ، لَكِنْ جَاءَ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ فِي " الْمُوَطَّأِ " فِيهِمَا " كُرَيْزٌ " بِالتَّصْغِيرِ، وَهُوَ خَطَأٌ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا» " أَيْ: فِي يَوْمٍ، " هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ ": الْجُمْلَةُ صِفَةُ " يَوْمًا " أَيْ: أَذَلُّ، وَأَحْقَرُ، مَأْخُوذٌ مِنَ الصَّغَارِ، وَهُوَ الْهَوَانُ، وَالذُّلُّ (وَلَا أَدْحَرُ) اسْمُ تَفْضِيلٍ مِنَ الدَّحْرِ هُوَ الطَّرْدُ، وَالْإِبْعَادُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى: {مِنْ كُلِّ جَانِبٍ - دُحُورًا} [الصافات: ٨ - ٩] ، وَقَوْلُهُ: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} [الأعراف: ١٨] . وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الدَّحْرُ الدَّفْعُ بِعُنْفٍ وَإِهَانَةٍ (وَلَا أَحْقَرُ) أَيْ: أَسْوَأُ حَالًا (وَلَا أَغْيَظُ) أَيْ: أَكْثَرُ غَيْظًا (مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ) : وَفِي الْمَصَابِيحِ: " يَوْمَ عَرَفَةَ ": قَالَ شَارِحُهُ: نُصِبَ ظَرْفًا لِأَصْغَرَ، أَوْ لِأَغْيَظَ، أَيِ: الشَّيْطَانُ فِي عَرَفَةَ أَبْعَدُ مُرَادًا مِنْهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَتَكْرَارُ الْمَنْفِيَّاتِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْمَقَامِ (وَمَا ذَاكَ) أَيْ: وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ لَهُ (إِلَّا لِمَا يَرَى) أَيْ: لِأَجْلِ مَا يَعْلَمُ (مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ) أَيْ: عَلَى الْخَاصِّ، وَالْعَامِّ (وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ) ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى غُفْرَانِ الْكَبَائِرِ (إِلَّا مَا رُئِيَ يَوْمَ بَدْرٍ) : قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ: مَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ فِي يَوْمٍ أَسْوَأَ حَالًا مِنْهُ فِيمَا عَدَا يَوْمَ بَدْرٍ، " فَإِنَّهُ " أَيِ: الشَّيْطَانُ (قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيْ: يَوْمَ بَدْرٍ (يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ) : أَصْلُهُ يُوَزِّعُ أَيْ: يَكُفُّهُمْ، فَيَحْبِسُ أَوَّلَهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ، وَمِنْهُ الْوَازِعُ، وَهُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ الصَّفَّ فَيُصْلِحُهُ، وَيُقَدِّمُ فِي الْجَيْشِ، وَيُؤَخِّرُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: ١٧] قَالَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْ: يُرَتِّبُهُمْ وَيُسَوِّيهِمْ، وَيَكُفُّهُمْ عَنِ الِانْتِشَارِ، وَيَصُفُّهُمْ لِلْحَرْبِ. (رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا) : وَالدَّيْلَمِيُّ مُتَّصِلًا، وَالْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا، وَمُتَّصِلًا (وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ بِلَفْظِ الْمَصَابِيحِ) الْمُغَايِرِ لِبَعْضِ مَا هُنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute