(وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ) : تَكَبُّرًا وَعِنَادًا أَوْ جَهْلًا وَاسْتِبْعَادًا (لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ) : بَلْ طُرِدَ مِنَ الْبَابِ (وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ) : بَلْ عُذِّبَ بِالْحِجَابِ (وَسَخَطَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ) : فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنْوَاعُ الْعَذَابِ؟ قِيلَ: السُّخْطُ فَوْقَ الْغَضَبِ وَالْمُقْتُ فَوْقَ السُّخْطِ (قَالَ) ، أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوِ الْمَلَكُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَالتَّقْدِيرُ إِنْ أَرَدْتَ بَيَانَ هَذَا الْمِثَالِ (فَاللَّهُ السَّيِّدُ) ، أَيِ: الْبَانِي الْمُرْسِلُ، وَفِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ تَعَالَى (وَمُحَمَّدٌ الدَّاعِي، وَالدَّارُ الْإِسْلَامُ، وَالْمَأْدُبَةُ الْجَنَّةُ) : كَانَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ مَقَامِ التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَذْكُورَاتِ فِي التَّمْثِيلِ كُلَّهَا مُبْتَدَآتٍ وَيُخْبِرَ عَنْهَا بِالصِّفَاتِ الْمُتَمَيِّزَاتِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ تَغْيِيرِ الْأُسْلُوبِ أَنَّ اللَّهَ وَمُحَمَّدًا عَلَمَانِ وَالْعَلَمُ لِكَوْنِهِ أَعْرَفَ مِنَ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْمَعَانِي فِي الْفَرْقِ بَيْنَ: زَيْدٌ أَخُوكَ، وَعَمْرٌو الْمُنْطَلِقُ، وَعَكْسُهُمَا حَيْثُ قَالُوا وَالضَّابِطُ فِي التَّقْدِيمِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلشَّيْءِ صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ التَّعْرِيفِ وَعَرَفَ السَّامِعُ اتِّصَافَهُ بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَأَيُّهُمَا كَانَ بِحَيْثُ يَعْرِفُ السَّامِعُ اتِّصَافَ الذَّاتِ بِهِ وَهُوَ كَالطَّالِبِ بِحَسَبِ زَعْمِكَ أَنْ تَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالْأُخْرَى يَجِبُ أَنْ تُقَدِّمَ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَيْهِ تَجْعَلُهُ مُبْتَدَأً، أَوْ أَيُّهُمَا كَانَ بِحَيْثُ يَجْهَلُ اتِّصَافَ الذَّاتِ بِهِ وَهُوَ كَالطَّالِبِ أَنْ تَحْكُمَ بِثُبُوتِهِ لِلذَّاتِ أَوِ انْتِفَائِهِ عَنْهُ يَجِبُ أَنْ يُؤَخِّرَ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَيْهِ فَتَجْعَلَهُ خَبَرًا.
فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ شَبَّهَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ الْجَنَّةَ بِالدَّارِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْإِسْلَامَ بِالدَّارِ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَأْدُبَةً؟ أُجِيبُ: بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ سَبَبًا لِدُخُولِهَا اكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِالْمُسَبَّبِ عَنِ السَّبَبِ، وَلَمَّا كَانَ الدَّعْوَةُ إِلَى الْجَنَّةِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ وُضِعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ، وَلَمَّا كَانَ نَعِيمُ الْجَنَّةِ وَبَهْجَتُهَا هُوَ الْمَطْلُوبُ الْأَصْلِيُّ جَعَلَ الْجَنَّةَ نَفْسَ الْمَأْدُبَةِ مُبَالَغَةً. كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَوْسَعُ مِنَ الْجَنَّةِ. قُلْتُ: هُوَ كَذَلِكَ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ حَدِيثُ: «مَا وَسِعَنِي أَرْضِي وَلَا سَمَائِي وَلَكِنْ يَسَعُنِي قَلْبُ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ» (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute