٢٦٣١ - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا، وَأَشْعَرَهَا، وَأَهْدَاهَا، فَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ أُحِلَّ لَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٢٦٣١ - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -) الْقَلَائِدُ: جَمْعُ قِلَادَةٍ، وَهِيَ مَا تُعَلَّقُ بِالْعُنُقِ، وَالْبُدْنُ: جَمْعُ الْبَدَنَةِ، وَهِيَ نَاقَةٌ، أَوْ بَقَرَةٌ تُنْحَرُ بِمَكَّةَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمِّنُونَهَا (بِيَدَيَّ) : بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ ( «ثُمَّ قَلَّدَهَا، وَأَشْعَرَهَا، وَأَهْدَاهَا» ) مَعَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ (فَمَا حَرُمَ) - بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَضَمِّ الرَّاءِ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (شَيْءٌ كَانَ أُحِلَّ لَهُ) سَبَبُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ بَلَغَهَا فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِيمَنْ بَعَثَ هَدْيًا إِلَى مَكَّةَ، أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ، وَغَيْرِهِ، حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ بِمَكَّةَ، فَقَالَتْ ذَلِكَ رَدًّا عَلَيْهِ، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا، كَذَا رَدَّ عَلَيٌّ مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: لِأَنَّ بَاعِثَ الْهَدْيِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا، فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَقَدْ حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَجْتَنِبُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَهَكَذَا حَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَنِسْبَةُ الْخَطَّابِيِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إِلَى أَرْبَابِ الرَّأْيِ الثَّاقِبِ خَطَأٌ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَخْرَجَ السِّتَّةُ عَنْهَا «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْهَدْيِ، وَأَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَهَا بِيَدَيَّ مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدَنَا، ثُمَّ أَصْبَحَ فِينَا حَلَالًا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ» ، وَفِي لَفْظِهِ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَبْعَثُ بِهِ، ثُمَّ يُقِيمُ فِينَا حَلَالًا» ، وَأَخْرَجَا وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، «عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَجُلًا يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إِلَى الْكَعْبَةِ، يَجْلِسُ فِي الْعَصْرِ فَيُوصِي أَنْ تُقَلَّدَ بُدْنُهُ، فَلَا يَزَالُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُحْرِمًا حَتَّى يَحِلَّ النَّاسُ. قَالَ: فَسَمِعْتُ تَصْفِيقَهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا أُحِلَّ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ» اهـ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا حَرُمَ عَلَى الْحَجِّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: " لَيْسَ كَمَا قَالَ، أَنَا «فَتَلْتُ قَلَائِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ» " فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يُخَالِفَانِ حَدِيثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ صَرِيحًا، فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِهِ اهـ.
وَمُرَادُهُ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا هُوَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا. وَقَالَ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا قَلَّدَ، فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَقَدَ أَحْرَمَ، وَوَرَدَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا.
أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَيْ جَابِرٍ يُحَدِّثَانِ، عَنْ أَبِيهِمَا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «بَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَصْحَابِهِ، إِذْ شَقَّ قَمِيصَهُ حَتَّى خَرَجَ فَسُئِلَ، فَقَالَ: " وَاعَدْتُهُمْ يُقَلِّدُونَ هَدْيِي الْيَوْمَ فَنَسِيتُ» " اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ التَّقْلِيدَ مَعَ عَدَمِ التَّوَجُّهِ مَعَهَا لَا يُوجِبُ الْإِحْرَامَ، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنَ الْآثَارِ مُطْلَقَةً فِي إِثْبَاتِ الْإِحْرَامِ، فَقَيَّدْنَاهَا بِهِ حَمْلًا لَهَا عَلَى مَا إِذَا كَانَ مُتَوَجِّهًا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute