٢٦٣٤ - وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٢٦٣٤ - (وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " «سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ» ) أَيْ: بِوَجْهٍ لَا يَلْحَقُهَا ضَرَرٌ (إِذَا أُلْجِئْتَ) أَيْ: إِذَا اضْطُرِرْتَ (إِلَيْهَا) أَيْ: رُكُوبِهَا (حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا) أَيْ: مَرْكُوبًا آخَرَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً. فَقَالَ: " ارْكَبْهَا ". قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: " ارْكَبْهَا ". قَالَ: فَرَأَيْتُهُ رَاكِبًا يُسَايِرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي " شَرْحِ الْعُمْدَةِ ": لَمْ يُرَاسِمْ هَذَا الْمُبْهَمَ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي رُكُوبِ الْبَدَنَةِ الْمُهْدَاةِ، فَعَنْ بَعْضِهِمْ، أَنَّهُ وَاجِبٌ لِإِطْلَاقِ هَذَا الْأَمْرِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ سِيرَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَهِيَ مُجَانَبَةُ السَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ، وَالْحَامِ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَرْكَبْ هَدْيَهُ، وَلَا أَمَرَ النَّاسَ بِرُكُوبِ هَدَايَاهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ تَمَسُّكًا بِإِطْلَاقِهِ هَذَا.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا، وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَرْكَبُهَا إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ حَمْلًا لِلْأَمْرِ الْمَذْكُورِ، عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِمَا رَأَى مِنْ حَاجَةِ الرَّجُلِ إِلَى ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ وَاقِعَةُ حَالٍ، فَاحْتَمَلَ الْحَاجَةَ بِهِ، وَاحْتَمَلَ عَدَمَهَا، فَإِنْ وُجِدَ دَلِيلٌ يُفِيدُ أَحَدَهُمَا حُمِلَ عَلَيْهِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنَ الْمَعْنَى مَا يُفِيدُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَهَا كُلَّهَا لِلَّهِ - تَعَالَى، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ مِنْهَا شَيْئًا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، فَيُجْعَلَ مَحْمَلَ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، ثُمَّ رَأَيْنَا اشْتِرَاطَ الْحَاجَةِ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ، وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. فَالْمَعْنَى يُفِيدُ مَنْعَ الرُّكُوبِ مُطْلَقًا، وَالسَّمَعُ وَرَدَ بِإِطْلَاقِهِ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ رُخْصَةً، فَيَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْمَنْعِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْمَعْنَى، لَا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ.
وَفِي " الْكَافِي " لِلْحَاكِمِ: فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ ضَمِنَ مَا نَقَصَهَا ذَلِكَ ضَمِنَهُ، وَأَمَّا قَوْلُ الطِّيبِيِّ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ سَاقَ هَدْيًا جَازَ لَهُ رُكُوبُهَا غَيْرَ مُضِرٍّ بِهَا، وَلَهُ الْحَمْلُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرْكَبُهَا إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ، فَمَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: مِنْ حَيْثُ دَلَالَةِ الرِّوَايَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالضَّرُورَةِ، وَثَانِيهِمَا: مِنْ حَيْثُ الدِّرَايَةِ الْمُنَافِيَةِ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الضَّرُورَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ خِلَافَ مَا صَدَرَ عَنْهُ فِي مَجْمُوعِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute