للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(٨) بَابُ الْحَلْقِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٢٦٤٦ - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

(٨) بَابُ الْحَلْقِ أَيْ: وَالْقَصْرِ، اكْتُفِيَ بِأَفْضَلِهِمَا.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٢٦٤٦ - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ رَأْسَهُ» ) : بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِهَا أَيْ: أَمَرَ بِحَلْقِهِ (فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ) : أَيْ: حَلَقُوا، وَ " مِنْ " بَيَانِيَّةٌ أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ) : بِتَشْدِيدِ الصَّادِ، وَقِيلَ: بِتَخْفِيفِهَا أَيْ: بَعْضُ النَّاسِ، أَوْ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ أَيْ: عُمْرَتَهُمْ قَبْلَ حَجَّتِهِمْ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهَا: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصَّرَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ» ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: ٢٧] فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ كُلٍّ مِنْهُمَا، إِلَّا أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَالسَّلَفِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «خُذُوا عَنَّي مَنَاسِكَكُمْ» " وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ الِاكْتِفَاءُ بِبَعْضِ شَعْرِ الرَّأْسِ.

وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَنَّ الْمَسْحَ فِيهَا فِيهِ الْبَاءُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّبْعِيضِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثُ النَّاصِيَةِ الْمُشْعِرُ بِجَوَازِ الِاكْتِفَاءِ بِالْبَعْضِ، وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ عَلَى مَنْعِ مَسْحِ الْبَعْضِ، بِخِلَافِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي بَابِ الْحَلْقِ، فَإِنَّهُ قَالَ - تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: ٢٧] وَلَا تَحْلِقُوا رَأْسَكُمْ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ السَّلَامُ - وَأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ قَطُّ أَنَّهُمُ اكْتَفَوْا بِحَلْقِ بَعْضِ الرَّأْسِ، أَوْ تَقْصِيرِهِ، بَلْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْقَزَعَةِ حَتَّى لِلصِّغَارِ، وَهِيَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَتَخْلِيَةُ بَعْضِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِحْرَامِ إِلَّا بِالِاسْتِيعَابِ كَمَا قَالَ بِهِ مَالِكٌ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ مِمَّا خَطَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنَ التَّحْقِيقِ النَّاشِئِ عَنْ سُلُوكِ سَبِيلِ التَّدْقِيقِ، أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي قَوْلِهِ {مُحَلِّقِينَ} [الفتح: ٢٧] : لِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ، وَفِي قَوْلِهِ: لَا تَحْلِقُوا بِدُونِهَا أَنَّ الْفِعْلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْعِبًا، وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ يَشْمَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ مُطْلَقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>