كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ أَوْ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطُّيُورِ كَمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ لِأَنَّهَا مِنَ الْخَبَائِثِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] (وَلَا لُقَطَةُ) : بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ مَا يُلْتَقَطُ مِمَّا ضَاعَ مِنْ شَخْصٍ بِسُقُوطٍ أَوْ غَفْلَةٍ (مُعَاهِدٍ) ، أَيْ: كَافِرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَهْدٌ بِأَمَانٍ فِي تِجَارَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَفِي مَعْنَاهُ: الذِّمِّيُّ (إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا) ، أَيْ: يَتْرُكُهَا لِمَنْ أَخَذَهَا اسْتِغْنَاءً عَنْهَا بِأَنْ كَانَتْ شَيْئًا حَقِيرًا يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَطْلُبُهُ كَالنَّوَاةِ وَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَنَحْوِهِمَا، فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَهَذَا تَخْصِيصٌ بِالْإِضَافَةِ وَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي لُقَطَةِ الْمُسْلِمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ التَّخْصِيصِ الِاهْتِمَامَ بِشَأْنِ الْمُعَاهَدِ لِعَهْدِهِ لِأَنَّ النَّفْسَ رُبَّمَا تَتَسَاهَلُ فِي لُقَطَتِهِ لِكَوْنِهِ كَافِرًا وَلِأَنَّهُ بَعِيدٌ عَنِ الْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذِهِ يُمْكِنُ أَخْذُهَا مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ} [البقرة: ٢٨٦] إِذِ الِالْتِقَاطُ اكْتِسَابٌ فَاللُّقَطَةُ مِنَ الْكَسْبِ، وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّ مَنْ تَمَلَّكَ لُقَطَةً بِشُرُوطِهَا لَا يُحَاسَبُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ بِخِلَافِ الدُّيُونِ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتٍ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: ٢٦٧] فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: ٢٨٦] إِنَّمَا هِيَ فِي الْأَعْمَالِ مِنَ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ أَنَّ اللَّامَ لِلْمَنْفَعَةِ وَعَلَى لِلْمَضَرَّةِ مَعَ عَدَمِ مُلَاءَمَتِهِ لِقَوْلِهِ: إِذِ الِالْتِقَاطُ اكْتِسَابٌ وَاللُّقَطَةُ مِنَ الْكَسْبِ (وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ) : أَخْرَجَهُ مِنْ سِيَاقِ الْمَنْهِيَّاتِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ: وَلَا يَحِلُّ لِلْمُضِيفِ أَنْ لَا يُكْرِمَ ضَيْفَهُ وَأَبْرَزَهُ فِي مَعْرِضِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وَلَكِنْ خَارِجٌ مِنْ سَمْتِ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ وَهَدْيِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَيَسْتَأْهِلُ صَاحِبُهُ أَنْ يُخْذَلَ وَيُسْتَهْجَنَ فِعْلُهُ، وَيُجَازَى بِكُلِّ قَبِيحٍ، وَالْمَعْنَى: مَنِ اسْتَضَافَ قَوْمًا (فَعَلَيْهِمْ) : أَيْ عَلَى الْقَوْمِ (أَنْ يُقِرُّوهُ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ أَيْ يُضِيفُوهُ مَنْ قَرَيْتُ الضَّيْفَ قِرًى بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ وَقِرَاءً بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ إِذَا أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ.
قَالَ الْأَشْرَفُ، أَيْ: سُنَّةً وَاسْتِحْبَابًا لِأَنَّ قِرَى الضَّيْفِ غَيْرُ وَاجِبٍ قَطْعًا لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ " اهـ.
وَقِيلَ: وَاجِبٌ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلْوُجُوبِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْأَكْثَرُونَ الْقَائِلُونَ بِنَدْبِ الْإِضَافَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ» " وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُضْطَرِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ إِطْعَامُهُ إِجْمَاعًا، وَقِيلَ هَذَا كَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَبْعَثُ الْجُيُوشَ إِلَى الْغَزْوِ، وَكَانُوا يَمُرُّونَ فِي طَرِيقِهِمْ بِأَحْيَاءِ الْعَرَبِ لَيْسَ هُنَاكَ سُوقٌ يَشْتَرُونَ مِنْهُ الطَّعَامَ وَلَا مَعَهُمْ زَادٌ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَتَهُمْ لِئَلَّا يَنْقَطِعُوا عَنِ الْغَزْوِ، فَلَمَّا قَوِيَ الْإِسْلَامُ وَغَلَبَتِ الشَّفَقَةُ وَالرَّحْمَةُ عَلَى النَّاسِ نُسِخَ الْوُجُوبُ وَبَقِيَ الْجَوَازُ وَالِاسْتِحْبَابُ (فَإِنْ لَمْ يُقْرُوهُ فَلَهُ) ، أَيْ: لِلنَّازِلِ (أَنْ يُعْقِبَهُمْ) : مِنَ الْإِعْقَابِ بِأَنْ يَتْبَعَهُمْ وَيُجَازِيَهُمْ مِنْ صَنِيعِهِ يُقَالُ: أَعْقَبَهُ بِطَاعَتِهِ إِذَا جَازَاهُ، وَرُوِيَ بِالتَّشْدِيدِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْقَافِ (بِمِثْلِ قِرَاهُ) : بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ لَا غَيْرُ. قَالَ فِي نِهَايَةِ الْجَزَرِيِّ، أَيْ: فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ عِوَضًا عَمَّا حَرَمُوهُ مِنَ الْقِرَى، يُقَالُ: عَقَّبَهُمْ مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا، وَأَعْقَبَهُمْ إِذَا أَخَذَ مِنْهُمْ عُقْبَى وَعَقَبَةً، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ بَدَلًا عَمَّا فَاتَهُ، وَهَذَا فِي الْمُضْطَرِّ أَوْ مَنْسُوخٌ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الْعِرْبَاضِ الْآتِي: وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ. . . . إِلَى قَوْلِهِ: إِذَا أَعْطُوكُمُ الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ: لِلضَّيْفِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الَّذِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute