(فَأَعْطَاهُ) : أَيْ: أَبَا طَلْحَةَ (إِيَّاهُ) : أَيِ: الشَّعْرَ الْمَحْلُوقَ (ثُمَّ نَاوَلَ) : أَيِ: الْحَالِقَ (شِقَّهُ الْأَيْسَرَ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: الشِّقَّ الْأَيْسَرَ (فَقَالَ) : بِلِسَانِ الْقَالِ، أَوِ الْحَالِ (احْلِقْ " فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ: " اقْسِمْهُ ": أَيِ: الْمَجْمُوعَ (بَيْنَ النَّاسِ) دَلَّ عَلَى طَهَارَةِ شَعْرِ الْآدَمِيِّ خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ، وَأَنْ يُتَبَرَّكَ بِأَشْعَارِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبَاقِي أَثَارِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى مِنًى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ، فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى، فَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: خُذْ، وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْحَلْقِ: الْبُدَاءَةُ بِيَمِينِ الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَذْهَبِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ اهـ.
وَقَالَ السُّرُوجِيُّ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمَحْلُوقِ، وَذَكَرَ كَذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَلَمْ يَعْزُ إِلَى أَحَدٍ، وَالسُّنَّةُ أَوْلَى، وَقَدْ أَخَذَ الْإِمَامُ بِقَوْلِ الْحَلَّاقِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَلَوْ كَانَ مَذْهَبُهُ خِلَافَهُ لَمَا وَافَقَهُ، وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الْعَجَمِيِّ وَالْبَحْرِ: هُوَ الْمُخْتَارُ، وَقَالَ فِي " النُّخْبَةِ ": هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ رُوِيَ رُجُوعُ الْإِمَامِ عَمَّا نَقَلَ عَنْهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: أَخْطَأْتُ فِي الْحَجِّ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، وَذَكَرَ مِنْهُ الْبُدَاءَةَ بِيَمِينِ الْحَالِقِ، فَصَحَّ تَصْحِيحُ قَوْلِهِ الْأَخِيرِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يُقَلِّمَ بَعْدَ الْحَلْقِ، أَوِ التَّقْصِيرِ أَظْفَارَهُ لِلِاتِّبَاعِ، كَمَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ. أَقُولُ: وَهُوَ الْمُلَائِمُ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: ٢٩] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute