اللَّهِ، وَفِي بَعْضِهَا رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ، وَرِضًا لِلرَّحْمَنِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا. (ثُمَّ يَتَقَدَّمُ) : أَيْ: يَذْهَبُ قَلِيلًا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (حَتَّى يُسْهِلَ) : بِضَمِّ الْيَاءِ، وَكَسْرِ الْهَاءِ، أَيْ: يَدْخُلَ الْمَكَانَ السَّهْلَ، وَهُوَ اللَّيِّنُ ضِدَّ الْحَزْنِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ أَيِ: الصَّعْبِ (فَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، أَيْ: حَالَ كَوْنِهِ مُقَابِلَ الْكَعْبَةِ، وَفِي التَّعْبِيرِ بِالْقِبْلَةِ إِشْعَارٌ بِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ، ثُمَّ قَوْلُهُ (فَيَقُومُ) : مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى " يَتَقَدَّمُ " (طَوِيلًا) : أَيْ: قِيَامًا، أَوْ زَمَانًا طَوِيلًا، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ (وَيَدْعُو) : أَيْ: (قَدْرَ) سُورَةِ الْبَقَرَةِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) : خِلَافًا لِمَالِكٍ (ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى) : أَيِ: الْجَمْرَةَ الَّتِي بَيْنَ الْأُولَى وَالْأُخْرَى (بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) . قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: هَلْ هَذَا التَّرْتِيبُ مُتَعَيَّنٌ، أَوْ أَوْلَى؟ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالَّذِي يَقْوَى عِنْدِي اسْتِنَانُ التَّرْتِيبِ لَا تَعْيِينُهُ، وَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. أَقُولُ: وَالْأَحْوَطُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْوُضُوءِ، أَوْ وَاجِبٌ وَفْقَ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَالِكَ (يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ) : ظَاهِرُهُ تَأْخِيرُ التَّكْبِيرِ عَنِ الرَّمْيِ، لَكِنْ يُئَوَّلُ بِمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ يَأْخُذُ بِذَاتِ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ) : أَيْ: يَذْهَبُ عَلَى شِمَالِ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى حَتَّى يَصِلَ إِلَى مَوْضِعٍ سَهْلٍ (وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْعُو، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلًا) كَمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ) : بِإِضَافَةِ الْجَمْرَةِ (مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) : فِي " الْهِدَايَةِ ": لَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَهُ، إِلَّا أَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: فَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَسْفَلِهَا سُنَّةٌ لَا أَنَّهُ الْمُتَعَيَّنُ، وَلِذَا ثَبَتَ رَمْيُ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ أَعْلَاهَا، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ، وَلَا أَعْلَنُوا بِالنِّدَاءِ بِذَلِكَ فِي النَّاسِ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذَا وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَكَانَ وَجْهُ اخْتِيَارِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِذَلِكَ هُوَ وَجْهُ اخْتِيَارِهِ حَصَى الْخَذْفِ، فَإِنَّهُ يُتَوَقَّعُ الْأَذَى إِذَا رَمَوْا مِنْ أَعْلَاهَا لِمَنْ أَسْفَلَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ مُرُورِ النَّاسِ فَيُصِيبُهُمْ، بِخِلَافِ الرَّمْيِ مِنْ أَسْفَلَ مَعَ الْمَارِّينَ مِنْ فَوْقِهَا اهـ.
وَيُؤَيِّدُهُ جَوَازُ الرَّمْيِ مِنَ الْجَوَانِبِ سَائِرَ الْجِهَاتِ، مَعَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا رَمَى إِلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ (يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَلَا يَقِفُ) : أَيْ: لِلدُّعَاءِ (عِنْدَهَا) . قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَمْ تَظْهَرْ حِكْمَةُ تَخْصِيصِ الْوُقُوفِ وَالدُّعَاءِ بِغَيْرِهَا مِنَ الْجَمْرَتَيْنِ، فَإِنْ تَخَايَلَ أَنَّهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِكَثْرَةِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الشُّغْلِ كَالذَّبْحِ، وَالْحَلْقِ، وَالْإِفَاضَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَهُوَ مُنْعَدِمٌ فِيمَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَوْنُ الْوُقُوفِ يَقَعُ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي الطَّرِيقِ، فَيُوجِبُ قَطْعَ سُلُوكِهَا عَلَى النَّاسِ وَشِدَّةَ ازْدِحَامِ الْوَاقِفِينَ، وَيُفْضِي ذَلِكَ إِلَى ضَرَرٍ عَامٍّ بِخِلَافِهِ فِي بَاقِي الْجِمَارِ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ فِي نَفْسِ الطَّرِيقِ، بَلْ بِمَعْزِلٍ مُعْتَصَمٍ عَنْهُ (ثُمَّ يَنْصَرِفُ) : أَيِ: ابْنُ عُمَرَ (فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute