للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَيًّا، وَقِيلَ: أَيْ بَعْضُهُ كَمَا بَيَّنَتْهُ رِوَايَاتٌ أُخَرُ لِمُسْلِمٍ، إِذْ فِي بَعْضِهَا لَحْمَهُ، وَفِي بَعْضِهَا عَجُزُهُ، وَفِي بَعْضِهَا رِجْلُهُ، وَفِي بَعْضِهَا شِقُّهُ، وَفِي بَعْضِهَا " عُضْوًا " مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ، فَرِوَايَةُ لَحْمِهِ أَيْ: بَعْضِهِ. وَرِجْلِهِ أَيْ مَعَ الْعَجُزِ، وَهُوَ الشِّقُّ الْمَذْكُورُ فِي الْأُخْرَى، وَرِوَايَةُ " عُضْوًا " هُوَ الرِّجْلُ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا، فَاجْتَمَعَتِ الرِّوَايَاتُ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَهْدَاهُ حَيًّا أَوَّلًا ثُمَّ أَهْدَى بَعْضَهُ مَذْبُوحًا، (وَهُوَ) : أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِالْأَبْوَاءِ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ; قَرْيَةٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْعِ عَلَى عَشْرَةِ فَرَاسِخَ مِنَ الْمَدِينَةِ، يَمُرُّ بِهَا سَالِكُ الطَّرِيقِ الْقَدِيمَةِ الشَّرْقِيَّةِ الَّتِي كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَسْلُكُهَا، وَهِيَ غَيْرُ الْمَسْلُوكَةِ الْيَوْمَ، يَفْتَرِقَانِ قَرِيبَ الْجُحْفَةِ، وَيَجْتَمِعَانِ قُرْبَ الْمَدِينَةِ. (أَوْ بِوَدَّانَ) : بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَرِيبَةٍ جَامِعَةٍ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْأَبْوَاءِ، وَهِيَ بَيْنَ الْأَبْوَاءِ وَالْجُحْفَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَوْضِعَانِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، (فَرَدَّ) : أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَلَيْهِ) : أَيْ: عَلَى الصَّعْبِ صَيْدَهُ، (فَلَمَّا رَأَى) : أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَا فِي وَجْهِهِ) : أَيْ: فِي وَجْهِ الصَّعْبِ مِنَ التَّغَيُّرِ النَّاشِئِ مِنْ أَثَرِ التَّأَذِّي مِنْ رَدِّهِ عَلَيْهِ الصَّيْدَ. (قَالَ) : أَيِ: اعْتِذَارًا وَتَسْلِيَةً لَهُ (إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ) : بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ وَضَمِّهَا أَيِ: الصَّيْدَ (عَلَيْكَ) : أَيْ: لِشَيْءٍ (إِلَّا أَنَّا) : أَيْ: لِأَنَّا (حُرُمٌ) : بِضَمَّتَيْنِ أَيْ مُحْرِمُونَ، وَالْحُرُمُ جَمْعُ حَارِمٍ وَهُوَ مِنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ.

قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ الصَّيْدِ إِذَا كَانَ حَيًّا، وَإِنْ جَازَ لَهُ قَبُولُهُ لَحْمَةً، وَقِيلَ: الْمُهْدَى كَانَ لَحْمُ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْبَلْ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ صَيْدٌ لِأَجْلِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ «أَهْدَى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَحْمَ حِمَارٍ» وَفِي لَفْظٍ: رِجْلَ حِمَارٍ، وَفِي لَفْظٍ: عَجُزَ حِمَارٍ، وَفِي لَفْظٍ: شِقَّ حِمَارٍ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي حُرْمَةَ أَكَلِ الْمُحْرِمِ لَحْمَ الصَّيْدِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ صِيدَ لَهُ أَوْ بِأَمْرِهِ أَمْ لَا. وَهُوَ مَذْهَبٌ نُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمْ عَلَيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَذْهَبُنَا مَذْهَبُ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَخْرَجَ عَنْهُمْ ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَطَاوُسٌ، وَالثَّوْرِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ، لَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ مِمَّا يَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَحْرُمُ، وَيَكُونُ مَيْتَةً إِنْ صَادَهُ أَوْ صِيدَ لَهُ، أَوْ دَلَّ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ. قَالُوا: وَزَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ الصَّعْبِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَيَكُونُ نَاسِخًا لِحَدِيثِ أَنَّ قَتَادَةَ الْآتِي غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ شَرْطَ النَّسْخِ تَعَذُّرُ الْجَمْعِ، وَتَعْلِيلُ الرَّدِّ بِكَوْنِهِمْ حُرُمًا إِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ ظَنَّ أَنَّهُ صِيدَ لَهُ، وَيَأْتِي حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حَيْثُ «أَكَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا اصْطَادَهُ تَارَةً، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ أُخْرَى» لَوْ صَحَّ ذَلِكَ، وَصَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَى بِالْعَرَجِ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِحِمَارٍ عَقِيرَةٍ فَأَبَاحَهُ لَهُ صَاحِبُهُ فَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ» ، وَصَحَّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتُفْتِيَ فِي أَكْلِ مُحْرِمٍ مِنْ لَحْمِ مَا صَادَهُ حَلَالٌ، فَأَفْتَى بِحِلِّهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ عُمَرُ فَقَالَ: لَوْ أَفْتَيْتَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَأَوْجَعْتُكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>