للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَجْهُ الْفَرَسِ نَحْوُهُ فَأَدْرَكَهُ (فَعَقَرَهُ) : أَيْ: قَتَلَهُ، وَأَصْلُ الْعَقْرِ الْجَرْحُ (ثُمَّ) : أَيْ: بَعْدَ طَبْخِهِ (أَكَلَ) : أَيْ: أَبُو قَتَادَةَ مِنْهُ (فَأَكَلُوا) : تَبَعًا لَهُ (فَنَدِمُوا) : لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُ الصَّيْدِ مُطْلَقًا، (فَلَمَّا أَدْرَكُوا) : أَيْ: لَحِقُوا (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلُوهُ) : أَيْ: عَنْهُ هَلْ يَجُوزُ أَكْلُهُ أَمْ لَا؟ قَالَ: " هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ قَالُوا: مَعَنَا رِجْلُهُ، فَأَخَذَهَا) : أَيْ: رِجْلَهُ (النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكَلَهَا) : إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْجَوَابَ بِالْفِعْلِ أَقْوَى مِنَ الْقَوْلِ، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ، وَلَا تَنَافِي لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ جَرَى لِأَبِي قَتَادَةَ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ قَضِيَّتَانِ، وَلِهَذَا يُرَدُّ قَوْلُ مَنْ حَرَّمَهُ مُطْلَقًا - ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ - وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ امْتَنَعَ أَوَّلًا خَشْيَةَ أَنَّ أَحَدًا أَمْرَهُ أَوْ أَعَانَهُ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ أَمْرُهُ أَكَلَ مِنْهُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

(وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا) : أَيْ: لِلشَّيْخَيْنِ الْمَعْلُومُ مِنْ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ (فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ) : أَيْ: بِالصَّرِيحِ أَوِ الدَّلَالَةِ (أَنْ يَحْمِلَ) : أَيْ: بِالْقَصْدِ (وَعَلَيْهَا) : أَيْ: عَلَى الْحِمَارِ أَوِ الصَّيْدِ وَتَأْنِيثُهُ، بِاعْتِبَارِ الدَّابَّةِ (أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا) : عَطْفٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدَّلَالَةِ وَالْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْأُولَى بِاللِّسَانِ وَالثَّانِيَةَ بِالْيَدِ، وَقِيلَ: الْأُولَى فِي الْغَائِبِ وَالثَّانِيَةُ فِي الْحُضُورِ، وَقِيلَ: كِلْتَاهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَعَلَى الْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ، ثُمَّ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ شَرَائِطٌ مَحَلُّهَا كُتُبُ الْفِقْهِ.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَخْرَجَ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ «عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَسِيرٍ لَهُمْ، بَعْضُهُمْ مُحْرِمٌ وَبَعْضُهُمْ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَدْ رَأَيْتُ حِمَارَ وَحْشٍ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَأَخَذْتُ الرُّمْحَ فَاسْتَعَنْتُهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَاخْتَلَسْتُ سَوْطًا مِنْ بَعْضِهِمْ، وَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَأَصَبْتُهُ، فَأَكَلُوا مِنْهُ، وَاسْتَبْقَوْا قَالُوا: فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ؟ " (قَالُوا: لَا قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا» ) : وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: " «هَلْ أَشَرْتُمْ هَلْ أَعَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: " فَكُلُوا» ) اهـ.

وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُمْ رَأَوْهَا ; فَضَحِكُوا، فَأَبْصَرَهَا، فَاسْتَعَانَهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُوهُ» ، وَفِي أُخْرَى «رَآهُمْ يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا، فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ حِمَارٌ وَحْشِيٌّ، فَوَقَعَ السَّوْطُ، فَقَالُوا: لَا نُعِينُكَ بِشَيْءٍ إِنَّا مُحْرِمُونَ، وَفِي أُخْرَى: فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي، فَلَمْ يُؤْذِنُونِي بِهِ، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ، فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ، فَقُلْتُ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ. فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ» . وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ صَحِيحَةٌ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهَا أَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا بِضَحِكِهِمْ، وَلَا بِتَرَائِيهِمْ إِلَيْهِ إِعْلَامَهُ، وَإِلَّا لِحَرُمَ، فَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّلَالَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْخَفِيَّةِ اتِّفَاقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>