(١٣) بَابُ الْإِحْصَارِ وَفَوْتِ الْحَجِّ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٢٧٠٧ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَلَقَ رَأَسَهُ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ، حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
[١٣] بَابُ الْإِحْصَارِ
أَيِ: الْمَنْعُ أَوِ الْحَبْسُ لُغَةً، وَالْمَنْعُ عَنِ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ شَرْعًا، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: يَتَحَقَّقُ الْإِحْصَارُ عِنْدَنَا بِالْعَدُوِّ وَغَيْرِهِ، كَالْمَرَضِ، وَهَلَاكِ النَّفَقَةِ، مَوْتِ مَحْرَمِ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا فِي الطَّرِيقِ اهـ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ خُصَّ الْإِحْصَارُ بِالْعَدُوِّ الْكَافِرِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْإِحْصَارَ الْمَنْعُ بِمَرَضٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ حَبْسٍ، وَالْحَصْرُ التَّضْيِيقُ، ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ مُعْتَرِضًا عَلَى النَّوَوِيِّ، حَيْثُ نَقَلَهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّ الْإِحْصَارَ فِي الْعَدُوِّ أَشْهَرُ، وَالْحَصْرُ فِي الْمَرَضِ أَكْثَرُ فَتَأَمَّلْ وَتَدَبَّرْ، خُذْ مَا صَفَا وَدَعْ مَا كَدِرَ. (وَفَوْتُ الْحَجِّ) بِأَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا وَلَمْ يُدْرِكْ مَكَانَ الْوُقُوفِ، وَهُوَ عَرَفَةُ فِي زَمَانِهِ، وَهُوَ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إِلَى طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَوْ سَاعَةً، وَهُنَا فَرْعٌ غَرِيبٌ وَأَمْرٌ عَجِيبٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ الْعِشَاءَ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَخَافَ لَوْ ذَهَبَ إِلَى عَرَفَاتٍ تَفُوتُ الْعِشَاءُ، وَلَوِ اشْتَغَلَ بِالْعِشَاءِ يَفُوتُ الْوُقُوفُ فَقِيلَ: يَشْتَغِلُ بِالْعِشَاءِ وَإِنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ، وَقِيلَ يَدَعُ الصَّلَاةَ وَيَذْهَبُ إِلَى عَرَفَةَ. وَقَالَ صَاحِبُ النُّخْبَةِ: يُصَلِّي الْفَرْضَ فِي الطَّرِيقِ مَاشِيًا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ ثُمَّ يَقْضِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ احْتِيَاطًا.
٢٧٠٧ - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : أَيْ مُنِعَ عَنْ عُمْرَتِهِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا فِي عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ (فَحَلَقَ رَأْسَهُ) : أَيْ: بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ (وَجَامَعَ نِسَاءَهُ) : أَيْ: بَعْدَ تَحَلُّلِهِ الْكَامِلِ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَنَحَرَ هَدْيَهُ) : إِذِ الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَحَلَّلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا رَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، وَكَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فَنَحَرَ ثُمَّ حَلَقَ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا. وَفِي الْهِدَايَةِ: ثُمَّ تَحَلَّلَ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَ الذَّبْحِ حَتَّى لَوْ ظَنَّ الْمُحْصَرُ أَنَّ الْهَدْيَ قَدْ ذُبِحَ فِي يَوْمِ الْمُوَاعَدَةِ، فَفَعَلَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُ الذَّبْحِ إِذْ ذَاكَ كَانَ عَلَيْهِ مُوجَبُ الْجِنَايَةِ، وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ فِي الْحِلِّ عَلَى ظَنٍّ أَنَّهُ ذُبِحَ فِي الْحَرَمِ قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: يُقَالُ أَحْصَرَهُ الْمَرَضُ أَوِ السُّلْطَانُ إِذَا مَنَعَهُ، فَإِذَا أُحْصِرَ الْمُحْرِمُ بِعَدُوٍّ فَلَهُ التَّحَلُّلُ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَيَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ الْمُحْرِمِ حَيْثُ أُحْصِرَ، وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ بَاقِي الْهَدَايَا إِلَّا فِي الْحَرَمِ. وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يُرَاقُ هَدْيُ الْمُحْصَرِ أَيْضًا إِلَّا فِي الْحَرَمِ، (حَتَّى اعْتَمَرَ) : غَايَةٌ لِلْمَجْمُوعِ أَيْ: تَحَلَّلَ حَتَّى اعْتَمَرَ أَيْ قَضَى (عَامًا قَابِلًا) : أَيْ: آتِيًا يَعْنِي السَّنَةَ السَّابِعَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ الَّتِي اعْتَمَرَ فِيهَا قَضَاءً لِعُمْرَةٍ حَلَّ مِنْهَا، وَقَضَاؤُهَا كَانَ وَاجِبًا، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، حَيْثُ يُسَمُّونَ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فِي قَوْلِهِ: وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ أَنَّ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَقِيلَ أَكْثَرَ، وَلَمْ يَعْتَمِرْ مَعَهُ هَذِهِ الْعُمْرَةَ إِلَّا نَحْوُ نِصْفِهِمْ، وَلَوْ وَجَبَ الْقَضَاءُ لَقَضَى الْكُلُّ أَوِ الْأَكْثَرُ اهـ. وَوَجْهُ غَرَابَتِهِ لَا يَخْفَى إِذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ فَوْرًا، وَلَا بِكَوْنِهِ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَكُونُ الْأَكْثَرُ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ، فَيَحُوزُ وُقُوعُهُ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ فَتَأَمَّلْ وَتَدَبَّرْ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute