١٦٧ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ» ) . رَوَاهُ فِي (شَرْحِ السُّنَّةَ) ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي (أَرْبَعِينِهِ) هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ (الْحُجَّةِ) .
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
ــ
١٦٧ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) : بِالْوَاوِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ) ، أَيْ: مَيْلُ نَفْسِهِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَهْوِي صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا إِلَى الدَّاهِيَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ إِلَى الْهَاوِيَةِ، فَكَأَنَّهُ مِنْ هَوِيَ يَهْوِي هَوًى إِذَا سَقَطَ (تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ) . يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى نَفْيِ أَصْلِ الْإِيمَانِ، أَيْ: حَتَّى يَكُونَ تَابِعًا مُقْتَدِيًا لِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الشَّرْعِ عَنِ اعْتِقَادٍ لَا عَنْ إِكْرَاهٍ وَخَوْفِ سَيْفٍ كَالْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ نَفْيُ الْكَمَالِ، أَيْ: لَا يَكْمُلُ إِيمَانُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَكُونَ مَيْلُ نَفْسِهِ، أَيْ: مَا تَشْتَهِيهِ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنْ وَافَقَهَا هَوَاهُ اشْتَغَلَ بِهَا لِشَرْعِيَّتِهَا لَا لِأَنَّهَا هَوًى، وَإِنْ خَالَفَهَا اجْتَنَبَ هَوَاهُ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُؤْمِنًا كَامِلًا. قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: أَيْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ - الَّذِي مِنْ أَصْلِ صِفَاتِهِ النَّفْسَانِيَّةِ بَلِ الْمَعْبُودُ الْبَاطِلُ الْمُطَاعُ وَالْمَحْبُوبُ الِاتِّبَاعِ - تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ السُّنَّةِ الزَّهْرَاءِ، وَالْمِلَّةِ النَّقِيَّةِ الْبَيْضَاءِ، حَتَّى تَصِيرَ هُمُومُهُ الْمُخْتَلِفَةُ وَخَوَاطِرُهُ الْمُتَفَرِّقَةُ الَّتِي تَنْبَعِثُ عَنْ هَوَى النَّفْسِ وَمَيْلِ الطَّبْعِ هَمًّا وَاحِدًا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ رَبِّهِ، وَاتِّبَاعِ شَرْعِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَشَفَقَةً عَلَى خَلْقِهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
كَانَتْ لِقَلْبِيَ أَهْوَاءٌ مُفَرَّقَةٌ ... فَاسْتَجْمَعَتْ مُذْ رَأَتْكَ الْعَيْنُ أَهْوَاي
فَصَارَ يَحْسُدُنِي مَنْ كُنْتُ أَحْسُدُهُ ... وَصِرْتُ مَوْلَى الْوَرَى مُذْ صِرْتَ مَوْلَايَ
تَرَكْتُ لِلنَّاسِ دُنْيَاهُمْ وَدِينَهُمُ ... شُغُلًا بِحُبِّكَ يَا دِينِي وَدُنْيَايَ
فَلَا يَمِيلُ إِلَّا بِحُكْمِ الدِّينِ، وَلَا يَهْوَى إِلَّا بِأَمْرِ الشَّرْعِ فَهُوَ الْمُؤْمِنُ الْفَرِيدُ الْكَامِلُ الْوَحِيدُ الَّذِي يُقْبَلُ مِنْهُ التَّوْحِيدُ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ مُتَّبِعًا لِمَا هَوَاهُ مُبْتَغِيًا لِمَرْضَاهُ فَهُوَ الْكَافِرُ الْخَاسِرُ فِي دُنْيَاهُ وَعُقْبَاهُ، وَمَنِ اتَّبَعَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ دُونَ فُرُوعِهَا فَهُوَ الْفَاسِقُ، وَمَنْ عَكَسَ فَهُوَ الْمُنَافِقُ. وَالْهَوَى: مَصْدَرُ هَوِيَهُ: أَحَبَّهُ، وَشَرَعًا: مَيْلُ النَّفْسِ إِلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ، وَأَمَّا إِذَا وَافَقَ الْهَوَى الْهُدَى، فَهُوَ كَالزُّبْدَةِ عَلَى الْعَسَلِ، وَنُورٌ عَلَى نُورٍ، وَسُرُورٌ عَلَى سُرُورٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: ٥٠] فَإِنْ قُلْتَ: مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُورٌ وَضِيَاءٌ، وَالْهَوَى ظُلْمَةٌ فِي النَّفْسِ انْبَعَثَتْ مِنَ الطَّبِيعَةِ التُّرَابِيَّةِ، فَكَيْفَ يَصِيرُ الْهَوَى الظُّلْمَانِيُّ تَبَعًا لِلدِّينِ النُّورَانِيِّ؟ فَالْجَوَابُ: إِنَّ النَّفْسَ لَطِيفَةٌ فِي الْجَسَدِ تَوَلَّدَتْ مِنِ ازْدِوَاجِ الرُّوحِ وَالْبَدَنِ وَاتِّصَالِهِمَا، وَالرُّوحُ لَطِيفٌ رُوحَانِيٌّ، وَالْجَسَدُ كَثِيفٌ ظُلْمَانِيُّ، وَالنَّفْسُ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَهُمَا تَقْبَلُ اللَّطَافَةَ الرُّوحَانِيَّةَ وَالْكَثَافَةَ الْجُسْمَانِيَّةَ، وَهَذَا هُوَ التَّسْوِيَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: ٧] بِاسْتِقَامَةِ الرُّوحِ الرُّوحَانِيِّ فِي الرُّوحِ الْحَيَوَانِيِّ بِمَثَابَةِ النُّورِ فِي الْحَدَقَةِ، فَصَارَتِ النَّفْسُ بِهَا قَابِلَةً لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْفُجُورِ وَالتَّقْوَى، فَإِذَا غَلَبَ الْأَمْرُ بِالتَّقْوَى صَارَتْ مُزَكَّاةً عَنِ الْكُدُورَاتِ مُتَوَجِّهَةً إِلَى الدِّينِ قَابِلَةً لِلْيَقِينِ، وَإِذَا غَلَبَ الْأَمْرُ بِالْفُجُورِ صَارَتْ تَابِعَةً لِلْهَوَى، سَالِكَةً مَسَالِكِ الرَّدَى.
نُونُ الْهَوَانِ مِنَ الْهَوَى مَسْرُوقَةٌ ... فَصَرِيعُ كُلِّ هَوًى صَرِيعُ هَوَانِ
قَالَ الرَّاغِبُ: مَثَلُ النَّفْسِ فِي الْبَدَنِ كَمُجَاهِدٍ بُعِثَ إِلَى ثَغْرٍ يُرَاعِي أَحْوَالَهُ، وَعَقْلُهُ خَلِيفَةُ مَوْلَاهُ، ضُمَّ إِلَيْهِ لِيُرْشِدَهُ وَيَشْهَدَ لَهُ وَعَلَيْهِ إِذَا عَادَ، وَبَدَنُهُ بِمَنْزِلَةِ مَرْكُوبِهِ، وَهَوَاهُ وَشَهَوَاتُهُ سَائِسٌ خَبِيثٌ ضُمَّ إِلَيْهِ لِيَفْقِدَ مَرْكُوبَهُ، وَالْقُرْآنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute