٢٧٥٨ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ وَفِي رِوَايَةٍ وَقُلْ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
٢٧٥٨ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ) أَيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِوَادِيِ الْعَقِيقِ) مَحَلٌّ قَرِيبٌ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ، وَفِي الْقَامُوسِ: مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ وَمَوْضِعٌ آخَرُ فِي غَيْرِهَا، وَفِي النِّهَايَةِ وَادٍ بِالْمَدِينَةِ وَمَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ (يَقُولُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ مِنْ رَبِّي آتٍ) أَيْ جَاءَنِيَ الْبَارِحَةَ تِلْكَ مِنْ عِنْدِهِ (فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةٌ) بِالرَّفْعِ أَيْ حُسِبَتْ (فِي حَجَّةٍ) وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيِ احْسَبْ صَلَاتَكَ هَذِهِ وَأَعِدْ لَهَا بِعُمْرَةٍ دَاخِلَةٍ فِي حَجَّةٍ، وَالْقَوْلُ يُسْتَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ كَمَا مَرَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ لِلْإِحْرَامِ، وَقَارِنْ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ اهـ.
وَهَذَا احْتِمَالٌ بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ حَقٌّ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ فَضْلًا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَالصَّوَابُ فِي مَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَابَ الصَّلَاةِ فِيهِ يَعْدِلُ ثَوَابَ عُمْرَةٍ فِي ضِمْنِ حَجَّةٍ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ إِذَا كَانَتْ مَقْرُونَةً فِي الْحَجَّةِ بِأَنْ يَكُونَ سَفَرُهُمَا وَاحِدًا خَيْرٌ مِنَ الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي بِمَعْنَى مَعَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَفِي رِوَايَةٍ وَقُلْ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ) بِالرَّفْعِ أَيْ صَلَاةٌ فِيهِ لِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ فَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ لِإِلْحَاقِ النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ مُبَالَغَةً وَوَجْهُ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ مُفَوَّضٌ إِلَى صَاحِبِ الشَّرِيعَةْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالظَّاهِرُ أَنَّ هُنَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ حَالِهِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ مِنَ اللَّهِ تَعْجِيلَ الْعُمْرَةِ وَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَقِيلَ لَهُ: صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مِعْرَاجُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَكَ فِي مُقَابَلَتِهَا ثَوَابُ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ بِنِيَّتِكَ عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ وَعُلَمَاءِ الْأَنَامِ عَدُّهُ مِنَ الْمَشَاهِدِ الْعِظَامِ الَّتِي يَزُورُوهَا الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْفَارِسِيَّ ذَكَرَ فِي مَنْسَكِهِ إِنَّهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَخْبَارِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّهُ قَالَ «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» وَلَا كَانَ مُفْرَدًا لَأَنَّ الْهَدْيَ كَانَ مَعَهُ وَاجِبًا كَمَا قَالَ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْقَارِنِ وَلِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ قَدْ تَكَاثَرَتْ بِأَنَّهُ لَبَّى بِهِمَا جَمِيعًا فَكَانَ مِنْ زَادٍ أَوْلَى قَالَ: وَوَجْهُ الِاخْتِلَافِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَقَدَ إِحْرَامَهُ جَعَلَ يُلَبِّي تَارَةً بِالْحَجِّ وَتَارَةً بِالْعُمْرَةِ وَتَارَةً بِهِمَا جَمِيعًا لَعَلَّهُ أَنْ يَتَبَيَّنَ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَقْصِدُ الْحَجَّ وَيَطْلُبُ كَيْفِيَّةَ الْعَمَلِ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي وَادِي الْعَقِيقِ فَقَالَ لَهُ قُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ فَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ وَتَبَيَّنَ الْمَطْلُوبُ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ وُجُوبَ الْهَدْيِ لَمْ يَمْنَعْ كَوْنَهُ مُفْرَدًا بَلْ يَمْنَعْ فَسْخَ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ؛ إِذْ مُقْتَضَاهُ الْخُرُوجُ مِنَ الْإِحْرَامِ وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ (لَعَلَّهُ أَنْ يَتَبَيَّنَ) مَعْلُولٌ إِذْ لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي الْكَيْفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْحَجِّ وَقَدْ أَتَى بِالْعُمْرَةِ مِرَارًا فَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِمَّا أَنْ نَوَى بِهِمَا أَوَّلًا، أَوْ نَوَى الْحَجَّ ثُمَّ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] عَلَى قِرَاءَةِ وَأَقِيمُوا، وَمِنْهَا أَنَّ وَادِيَ الْعَقِيقِ قَرِيبٌ الْمَدِينَةِ اتِّفَاقًا، وَإِحْرَامُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ فِي ذِي الْحُلَيْفَةِ إِجْمَاعًا، فَالتَّحْقِيقُ مَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا الْوَادِي بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا يَدْخُلُ فِي فَضْلِهَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute