للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٧٠ - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ الدِّينَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْحِجَازِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا، وَلَيَعْقِلَنَّ الدِّينُ مِنَ الْحِجَازِ مِعْقَلَ الْأُرْوِيَّةِ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ.

إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ وَهُمُ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

١٧٠ - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ) : هُوَ مُزَنِيٌّ، كَانَ قَدِيمَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ: {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [التوبة: ٩٢] سَكَنَ الْمَدِينَةِ وَمَاتَ بِهَا فِي آخِرَ أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ الدِّينَ لَيَأْرِزُ) : بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَيُبْدَلُ وَكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَحُكِيَ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ، أَيْ: يَنْضَمُّ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ وَاسْتِيلَاءِ الْكَفَرَةِ (إِلَى الْحِجَازِ) : وَهُوَ اسْمُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَحَوَالَيْهِمَا مِنَ الْبِلَادِ، وَسُمِّيتْ حِجَازًا لِأَنَّهَا حَجَزَتْ أَيْ مَنَعَتْ وَفَصَلَتْ بَيْنَ بِلَادِ نَجْدٍ وَالْغَوْرِ قِيلَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ إِنْ سُلِّمَ أَنَّ الدِّينَ وَالْإِيمَانَ مُتَرَادِفَانِ أَنَّهُ يَأْرِزُ أَوَّلًا إِلَى الْحِجَازِ أَجْمَعَ، ثُمَّ إِلَى الْمَدِينَةِ لِأَنَّهَا مُسْتَقَرُّهُ أَوَّلًا فَعَادَ إِلَيْهَا لِتَكَوُّنَ مُسْتَقَرَّهُ آخِرًا أَيْضًا، فَإِنَّ النِّهَايَةَ هِيَ الرُّجُوعُ إِلَى الْبِدَايَةِ، وَلِأَنَّ الْمَدِينَةَ مَغِيبُ النُّبُوَّةِ فَتَصِيرُ مَغِيبَ الشَّرِيعَةِ (كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا، وَلَيَعْقِلَنَّ) : جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: وَاللَّهِ لَيَعْتَصِمَنَّ (الدِّينُ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: عَطْفٌ عَلَى لَيَأْرِزُ أَوْ عَلَى إِنَّ وَمَعْمُولَهَا، أَيْ: لَيَتَحَصَّنَنَّ وَيَنْضَمَّ وَيَلْتَجِئَ الدِّينُ، أَبْرَزَهُ وَحَقُّهُ الْإِضْمَارُ إِعْلَامًا بِعَظِيمِ شَرَفِهِ وَمَزِيدِ فَخَامَتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ ضُوعِفَتْ أَدَوَاتُ التَّأْكِيدِ وَأُتِيَ بِالْقَسَمِ الْمُقَدَّرِ (مِنَ الْحِجَازِ) ، أَيْ: بِمَكَانٍ مِنْهُ أَوْ مَكَانًا مِنْهُ، يُقَالُ: عَقَلَ الْوَعْلُ أَيِ امْتَنَعَ بِالْجِبَالِ الْعَوَالِي يَعْقِلُ عُقُولًا، أَيْ: لَيَمْتَنِعَنَّ بِالْحِجَازِ وَيَتَّخِذَنَّ مِنْهُ حِصْنًا وَمَلْجَأً (مَعْقِلَ الْأُرْوِيَّةِ) : بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَتُكْسَرُ، وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْأُنْثَى مِنَ الْمَعِزِ الْجَبَلِيِّ، وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْعَقْلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ مَكَانٍ أَيْ كَاتِّخَاذِ الْأُرْوِيَّةِ (مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ) : حِصْنًا، وَخَصَّ الْأُرْوِيَّةَ دُونَ الْوَعْلِ لِأَنَّهَا أَقْدَرُ مِنَ الذَّكَرِ عَلَى التَّمَكُّنِ مِنَ الْجِبَالِ الْوَعِرَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الدِّينَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ وَاسْتِيلَاءِ الْكَفَرَةِ وَالظَّلَمَةِ عَلَى بِلَادِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَعُودُ إِلَى الْحِجَازِ كَمَا بَدَأَ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>