طَرِيقَةُ الْوَرَعِ وَالِاحْتِيَاطِ وَحَاصِلُهُ رَاجِعٌ إِلَى حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا عَطَفَ اطْمِئْنَانَ الْقَلْبِ عَلَى اطْمِئْنَانِ النَّفْسِ لِلتَّقْرِيرِ وَالتَّأْكِيدِ، فَإِنَّ النَّفْسَ إِذَا تَرَدَّدَتْ فِي أَمْرٍ وَتَحَيَّرَتْ فِيهِ، وَزَالَ عَنْهَا الْقَرَارُ اسْتَتْبَعَ ذَلِكَ خَفَقَانًا لِلْقَلْبِ لِلْعَلَاقَةِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْأَوَّلِ لَهَا، فَتُنْقِلُ الْعَلَاقَةُ إِلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْهَيْئَةِ أَثَرًا فَيَحْدُثُ فِيهِ خَفَقَانٌ وَاضْطِرَابٌ، ثُمَّ رُبَّمَا يَسْرِي هَذَا الْأَثَرُ إِلَى سَائِرِ الْقُوَى، فَتَحُسُّ بِهَا الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ عَنِ النَّفْسِ وَحَدَثَ لَهَا قَرَارٌ وَطُمَأْنِينَةٌ انْعَكَسَ الْأَمْرُ، وَتَبَدَّلَتِ الْحَالُ عَلَى مَا لَهَا مِنَ الْفُرُوعِ وَالْأَعْضَاءِ وَقِيلَ: الْمَعْنِيُّ بِهَذَا الْأَمْرِ أَرْبَابُ الْبَصَائِرِ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالْفِكَرِ الْمُسْتَقِيمَةِ وَأَصْحَابُ الْفِرَاسَاتِ مَنْ ذَوِي النُّفُوسِ الْمُرْتَاضَةِ وَالْقُلُوبِ السَّلِيمَةِ، فَإِنَّ نُفُوسَهُمْ بِالطَّبْعِ تَصْبُو إِلَى الْخَيْرِ وَتَنْبُو عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّ الشَّيْءَ يَنْجَذِبُ إِلَى مَا يُلَائِمُهُ وَيَنْفِرُ عَمَّا يُخَالِفُهُ، وَيَكُونُ مَلْهَمَةً لِلصَّوَابِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَبْعَدٍ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِحَمْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ فِيمَنْ يَجْمَعُهُمْ كَلِمَةُ التَّقْوَى وَتُحِيطُ بِهِمْ دَائِرَةُ الدِّينِ أَحَقُّ وَأَهْدَى. اهـ.
وَقِيلَ: النَّفْسُ لُغَةً حَقِيقَةُ الشَّيْءِ، وَاصْطِلَاحًا لَطِيفَةٌ فِي الْجَسَدِ تَوَلَّدَتْ مِنِ ازْدِوَاجِ الرُّوحِ بِالْبَدَنِ وَاتِّصَالِهِمَا مَعًا (وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ) : مِنْ حَاكَ يَحِيكُ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: حَكَّ بِكَافٍ مُشَدَّدَةٍ (فِي النَّفْسِ) أَيْ أَثَّرَ فِيهَا وَلَمْ يَسْتَقِرَّ، وَفِي الْمَفَاتِيحِ: أَيْ أَثَرٌ فِي قَلْبِكَ أَوْهَمَكَ أَنَّهُ ذَنْبٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ: إِنَّ الْإِثْمَ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ. (وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ) أَيْ: وَلَمْ يَنْشَرِحْ لَهُ، وَهَذَا لِمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ، فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ (وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ) أَيْ: وَإِنْ قَالُوا لَكَ إِنَّهُ حَقٌّ فَلَا تَأْخُذْ بِقَوْلِهِمْ فَإِنَّهُ قَدْ يُوقِعُ فِي الْغَلَطِ وَأَكْلِ الشُّبْهَةِ، كَأَنْ تَرَى مَنْ لَهُ مَالٌ حَلَالٌ وَحَرَامٌ، فَلَا تَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتِي مَخَافَةَ أَنْ تَأْكُلَ الْحَرَامَ، لِأَنَّ الْفَتْوَى غَيْرُ التَّقْوَى، وَهُوَ شَرْطِيَّةٌ قُطِعَتْ عَنِ الْجَزَاءِ تَتْمِيمًا لِلْكَلَامِ السَّابِقِ وَتَقْرِيرًا لَهُ سَبِيلَ الْمُبَالَغَةِ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ الْأَرْبَعِينَ قَوْلُهُ: (وَأَفْتَوْكَ) تَأْكِيدًا وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَنْشَدَ بَعْضُ أَرْبَابِ الْمَعْنَى:
اتَّخِذْ طَاعَةَ الْإِلَهِ سَبِيلًا ... تَجِدِ الْفَوْزَ بِالْجِنَانِ وَتَنْجُو
وَاتْرُكِ الْإِثْمَ وَالْفَوَاحِشَ طُرًّا ... يُؤْتِكَ اللَّهُ مَا يَدُومُ وَيَنْجُو
(رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارِمِيُّ) قَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute