للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٧٨٤ - وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَتْ لِمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ جَارِيَةٌ تَبِيعُ اللَّبَنَ، وَيَقْبِضُ الْمِقْدَامُ ثَمَنَهُ، فَقِيلَ لَهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَتَبِيعُ اللَّبَنَ؟ وَتَقْبِضُ الثَّمَنَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَمَا بَأْسٌ بِذَلِكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ " لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَنْفَعُ فِيهِ إِلَّا الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ــ

٢٧٨٤ - (وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ) : لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ (قَالَ: كَانَتْ لِمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ جَارِيَةٌ) : أَيْ مَمْلُوكَةٌ (تَبِيعُ اللَّبَنَ وَيَقْبِضُ الْمِقْدَامُ ثَمَنَهُ، فَقِيلَ لَهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ!) : تَعَجُّبًا وَتَنْزِيهًا (أَتَبِيعُ) : أَيِ الْجَارِيَةُ (اللَّبَنَ؟) بِحَضْرَتِكَ وَأَنْتَ وَاقِفٌ عِنْدَهَا كَالْحَارِسِ لَهَا (وَتَقْبِضُ) : أَيْ أَنْتَ (الثَّمَنَ؟) وَهَذَا لَا يَلِيقُ بِمِثْلِكَ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (تَبِيعُ) مُسْنَدًا إِلَى الْجَارِيَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، أَنْكَرَ بَيْعَ الْجَارِيَةِ وَقَبْضَ الْمِقْدَامِ ثَمَنَهُ، فَالْإِنْكَارُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى مَعْنَى الدَّنَاءَةِ أَيْ: أَتَرْتَضِي بِفِعْلِ الْجَارِيَةِ الدَّنِيَّةِ شَيْئًا دَنِيًّا فَتَقْبِضُهُ، وَأَنْ يَكُونَ مُسْنَدًا إِلَى الْمِقْدَامِ عَلَى الْمَجَازِ، فَالْإِنْكَارُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ (فَقَالَ: نَعَمْ!) أَيِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ (وَمَا بَأْسٌ) : أَيْ لَيْسَ بَأْسٌ (بِذَلِكَ) لِعَدَمِ نَقْصٍ شَرْعِيٍّ إِذْ لَا حُرْمَةَ فِيهِ، وَلَا كَرَاهَةَ بِنَاءً عَلَى أَنْ لَا بَأْسَ لِنَفْيِهِمَا، وَ (مَا) : بِمَعْنَى لَيْسَ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِهِ وَلَمْ يَجِئْ مَا بِمَعْنَى لَا الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْسِ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَنْفَعُ فِيهِ إِلَّا الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ» ) . أَيْ بِالْمَالِ الْمُعَبِّرِ بِهِمَا عَنْهُ، فَإِنَّهُمَا الْأَصْلُ وَالْمُرَادُ كَسْبُهُمَا وَجَمْعُهُمَا مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ، فَإِنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ لَمَّا غَلَبَ عَلَيْهِمُ النَّقْصُ صَارُوا لَا يَعْتَدُّونَ بِأَرْبَابِ الْكَمَالِ، وَيَخْدِمُونَ أَصْحَابَ الْأَمْوَالِ، وَأَمَّا أَهْلُ اللَّهِ فَأَعْرَضُوا عَنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَعْنَاهُ لَا يَنْفَعُ النَّاسَ إِلَّا الْكَسْبُ، إِذْ لَوْ تَرَكُوهُ لَوَقَعُوا فِي الْحَرَامِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ التَّكَسُّبَ يُدْنِيكَ مِنَ الدُّنْيَا قَالَ: لَيْسَ أَدْنَانِي مِنَ الدُّنْيَا، لَقَدْ صَانَنِي عَنْهَا، وَكَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ: اتَّجِرُوا وَاكْسِبُوا فَإِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ إِذَا احْتَاجَ أَحَدُكُمْ كَانَ أَوَّلَ مَا يَأْكُلُ دِينَهُ، وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ وَكَانَتْ لَهُ بِضَاعَةٌ يُقَلِّبُهَا وَيَقُولُ: لَوْلَا هَذِهِ لَتَمَنْدَلَ بِي بَنُو الْعَبَّاسِ: أَيْ: لَجَعَلُونِي كَالْمِنْدِيلِ يَمْسَحُونَ بِي أَوْسَاخَهُمْ (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>