للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٨٠٣ - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ: " إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ " فَكَانَ الرَّجُلُ يَقُولُهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

٢٨٠٣ - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أُخْدَعُ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ الْمُتَكَلِّمِ (فِي الْبُيُوعِ) : بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَيُكْسَرُ قَالَ الْقَاضِي: ذَلِكَ الرَّجُلُ حِبَّانُ ابْنُ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْمَازِنِيُّ، وَقَدْ صُرِّحَ بِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ (فَقَالَ: " (إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ ") : بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِلَامٍ مُخَفَّفَةٍ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ أَيْ: لَا غَبْنَ وَلَا خَدِيعَةَ لِي فِي هَذَا الْبَيْعِ. قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي بَيْعِهِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ إِذَا غُبِنَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا رَدَّ لَهُ مُطْلَقًا، وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَنْ أَهْلِ الْبَصَارَةِ فَيَحْتَرِزُ صَاحِبُهُ عَنْ مَظَانِّ الْغَبْنِ وَيَرَى لَهُ كَمَا يَرَى لِنَفْسِهِ، وَكَانَ النَّاسُ أَحِقَّاءَ بِرِعَايَةِ الْإِخْوَانِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ قِيلَ: زَادَ فِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا، فَيُفِيدُ الْحَدِيثُ أَنَّ لَا خِلَابَةَ لَفْظٌ وُضِعَ شَرْعًا لِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَوْ جُعِلَ مَعْنَاهُ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَزَعَمَ أَنَّهُ خَاصٌّ بِمَنْ خَاطَبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِذَاكَ إِذْ لَا بُدَّ لِلْخُصُوصِيَّةِ مِنْ دَلِيلٍ اهـ وَفِي كَوْنِ (خِلَابَةَ) لَفْظًا وُضِعَ شَرْعًا لِمَا ذُكِرَ مَحَلُّ مَبْحَثٍ يَخْفَى. قَالَ الْقَاضِي: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَبْنَ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ، لِأَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ الْبَيْعَ أَوْ أَثْبَتَ الْخِيَارَ لَنَبَّهَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالشَّرْطِ. أَقُولُ: الْغَبْنُ الْفَاحِشُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَيُثْبِتُ الْخِيَارَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ، وَالرَّجُلُ أَرَادَ مُطْلَقَ الْغَبْنِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُشْتَرِي ذَا بَصِيرَةٍ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِذَا كَانَ الْغَبْنُ فَاحِشًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَأَنَّهُ إِذَا ذُكِرَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ ظَهَرَتْ فِيهِ غَبِينَةٌ وَكَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَكَأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ غَيْرَ زَائِدٍ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، فَيُضَاهِي مَا إِذَا شَرَطَا وَصَفْاً مَقْصُودًا فِي الْمَبِيعِ فَبَانَ خِلَافُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ مُجَرَّدَ هَذَا اللَّفْظِ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ بِالْغَبْنِ، فَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَ الْحَدِيثَ بِحِبَّانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَتَصْدِيرِ الشَّرْطِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ تَحْرِيضًا لِلْمُعَامِلِ عَلَى حِفْظِ الْأَمَانَةِ وَالتَّحَرُّزِ عَنِ الْخِلَابَةِ. فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ " «قُلْ لَا خِلَابَةَ، وَاشْتَرِطِ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ» " وَعَلَى هَذَا لَمْ يُخْتَصَّ الْخِيَارُ بِالْغَبْنِ، بَلْ لِلشَّارِطِ فَسْخُهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ بَعْدَ مُضِيِّهَا، وَإِنْ ظَهَرَ الْغَبْنُ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: لَقَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْقَوْلَ لِيَتَلَفَّظَ بِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ لِيُنَبِّهَ بِهِ صَاحِبَهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْبَصَائِرِ فِي مَعْرِفَةِ السِّلَعِ وَمَقَادِيرِ الْقِيمَةِ فِيهَا، فَيَمْتَنِعُ بِذَلِكَ عَنْ مَظَانِّ الْغَبْنِ وَيَرَى لَهُ كَمَا يَرَى لِنَفْسِهِ، وَكَانَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَحِقَّاءَ بِأَنْ يُعِينُوا أَخَاهُمُ الْمُسْلِمَ وَيَنْظُرُوا لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْظُرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ وَلَا خِلَابَةَ لِنَفْيِ الْجِنْسِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ عَلَى الْحِجَازِ أَيْ: لَا خِدَاعَ فِي الدِّينِ لِأَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>