٢٨٢٥ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زِنْيَةً» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ وَقَالَ: " «مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» ".
ــ
٢٨٢٥ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَقِصَّتُهُ مَضَتْ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَمُجْمَلُهَا: أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ الصَّارِخَ إِلَى غَزْوَةِ أُحُدٍ كَانَ مَعَ أَهْلِهِ فَأَفْرَطَ فِي الِاسْتِعْجَالِ فِي اسْتِجَابَةِ نَفِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى خَرَجَ جُنُبًا فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَأُرِيدُ دَفْنُهُ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: فَدُفِنَ بِلَا غَسْلٍ لِأَنَّهُ شَهِيدٌ، لَكِنْ كَرَّمَهُ رَبُّهُ بِأَنْ أَنْزَلَ لَهُ مَلَائِكَةً غَسَّلُوهُ قَبْلَ دَفْنِهِ؛ فَلِذَا سُمِّيَ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ) أَيِ الشَّخْصُ (وَهُوَ يَعْلَمُ) أَيْ أَنَّهُ رِبًا وَكَذَا إِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَكِنَّهُ قَصَّرَ فِي التَّعَلُّمِ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ أَلْحَقُوا الْمُقَصِّرَ بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ عَيْنًا بِالْعَالِمِ فِي أَنَّهُ يَكُونُ مِثْلَهُ فِي الْإِثْمِ (أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زِنْيَةً) بِكَسْرِ الزَّايِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْمُبَالَغَةُ زَجْرًا عَنْ أَكْلِ الْحَرَامِ وَحَثًّا عَلَى طَلَبِ الْحَلَالِ وَاجْتِنَابِ حَقِّ الْعِبَادِ، وَحِكْمَةُ الْعَدَدِ الْخَاصِّ مُفَوَّضٌ إِلَى الشَّارِعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَشَدِيَّةَ عَلَى حَقِيقَتِهَا، فَتَكُونُ الْمَرَّةُ مِنَ الرِّبَا أَشَدَّ إِثْمًا مِنْ تِلْكَ السِّتَّةِ وَالثَلَاثِينَ زِنْيَةً لِحِكْمَةٍ عَلِمَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - وَقَدْ يُطْلِعُ عَلَيْهِ بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ قِيلَ: لِأَنَّ الرِّبَا يُؤَدِّي بِصَاحِبِهِ إِلَى خَاتِمَةِ السُّوءِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - تَعَالَى - كَمَا أَخَذَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: ٢٧٩] مَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يُفْلِحُ أَبَدًا فَمَنِ احْتَضَرَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى أَكْلِ الرِّبَا بِأَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ يَكُونُ ذَلِكَ مُعِينًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى إِغْوَائِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِلَى أَنْ يُعْطِيَهُ، فَيَمُوتُ عَلَى الْكُفْرِ لِيَتَحَقَّقَ فِيهِ تِلْكَ الْمُحَارَبَةُ، وَفِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: ١٣٠] إِلَى قَوْلِهِ {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: ١٣١] إِيذَانٌ أَيْضًا بِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ) أَيْ عَنْهُ (وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ) أَيِ الْبَيْهَقِيُّ أَوِ ابْنُ عَبَّاسٍ (وَقَالَ أَيْ مَرْفُوعًا (مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ) أَيْ تَرَبَّى وَتَقَوَّى عَظْمُهُ (مِنَ السُّحْتِ) بِضَمِّ السِّينِ وَالْحَاءِ وَسُكُونِهَا أَيِ الْحَرَامِ الشَّامِلِ لِلرِّبَا وَالرِّشْوَةِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تُعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ) أَيْ بِلَحْمِهِ أَوْ بِصَاحِبِهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ خَفِيَّةٌ إِلَى وَجْهِ الْأَشَدِيَّةِ أَنَّ الرِّبَا إِذَا رَبَا عَلَى بَدَنِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ يَسْرِي إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعِصْيَانِ أَوْ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الرِّبَا غَامِضَةٌ فَرُبَّمَا يَسْتَحِلُّ الْجَاهِلُ فَيَكْفُرُ بِخِلَافِ أَمْرِ الزِّنَا فَإِنَّهُ مَعْرُوفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute