للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٨٠ - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ) ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْآيَةَ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: ٥٨] » رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

١٨٠ - (وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْهُدَى (إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ) أَيْ: أُعْطَوْهُ وَهُوَ حَالٌ، وَقَدَّمَ مَقْدِرَةً وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَعَمُّ عَامَّ الْأَحْوَالِ، وَصَاحِبُهَا الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي خَبَرِ " كَانَ "، وَالْمَعْنَى مَا كَانَ ضَلَالَتُهُمْ وَوُقُوعُهُمْ فِي الْكُفْرِ إِلَّا بِسَبَبِ الْجِدَالِ وَهُوَ الْخُصُومَةُ بِالْبَاطِلِ مَعَ نَبِيِّهِمْ، وَطَلَبُ الْمُعْجِزَةِ مِنْهُ عِنَادًا أَوْ جُحُودًا، وَقِيلَ: مُقَابَلَةُ الْحُجَّةِ بِالْحُجَّةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ هُنَا الْعِنَادُ، وَالْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ ضَرْبُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِتَرْوِيجِ مَذَاهِبِهِمْ وَآرَاءِ مَشَايِخِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ نُصْرَةٌ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ، وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ لَا الْمُنَاظَرَةُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَإِظْهَارِ الْحَقِّ فَإِنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ (ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْآيَةَ) أَيِ: اسْتِشْهَادٌ عَلَى مَا قَرَّرَهُ (مَا ضَرَبُوهُ) أَيْ: هَذَا الْمَثَلُ (لَكَ) : يَا مُحَمَّدُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: آلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ؟ أَرَادُوا بِالْآلِهَةِ هُنَا الْمَلَائِكَةَ يَعْنِي: الْمَلَائِكَةُ خَيْرٌ أَمْ عِيسَى؟ يُرِيدُونَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ خَيْرٌ مِنْ عِيسَى، فَإِذَا عَبَدَتِ النَّصَارَى عِيسَى فَنَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ أَيْ: مَا قَالُوا ذَلِكَ الْقَوْلَ {إِلَّا جَدَلًا} [الزخرف: ٥٨] أَيْ إِلَّا لِمُخَاصَمَتِكَ وَإِيذَائِكَ بِالْبَاطِلِ لَا لِطَلَبِ الْحَقِّ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَالْأَصَحُّ فِي مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ ابْنَ الزَّبْعَرِيِّ جَادَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: ٩٨] آلِهَتُنَا أَيِ الْأَصْنَامُ خَيْرٌ عِنْدَكَ أَمْ عِيسَى؟ فَإِنْ كَانَ فِي النَّارِ فَلْتَكُنْ آلِهَتُنَا مَعَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ حَجَرٍ ذَكَرَ مِثْلَ مَا ذَكَرْتُهُ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ فَأَوَّلًا: أَنَّ (مَا) لِغَيْرِ ذَوِي الْعُقُولِ، فَالْإِشْكَالُ نَشَأَ عَنِ الْجَهْلِ بِالْقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ، وَثَانِيًا: أَنَّ عِيسَى وَالْمَلَائِكَةَ خُصُّوا عَنْ هَذَا بِقُولِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ - بَلْ هُمْ} [الأنبياء: ١٠١ - ٤٢] : أَيِ الْكُفَّارُ {قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: ٥٨] : أَيْ: كَثِيرُو الْخُصُومَةِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) وَكَذَا الْحَاكِمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>