{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: ٦٣] وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: ٢] فَغَيْرُ مُنَاسِبٍ بِالْمَقَامِ وَغَيْرُ مُلَائِمٍ بِالْمَرَامِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكًا وَقَدْ أَخَذَ بِمَجَامِعِ قَلْبِهِ الْحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةُ (قَالَ: " بَلْ عَارِيَةً ") بِالتَّشْدِيدِ وَيُخَفَّفُ وَبِالنَّصْبِ وَيُرْفَعُ وَكَذَا قَوْلُهُ (" مَضْمُونَةً ") أَيْ: مَرْدُودَةً وَالْمَعْنَى أَنْ أَسْتَعِيرَهَا وَأَرُدَّهَا، فَوَضَعَ الضَّمَانَ مَوْضِعَ الرَّدِّ مُبَالَغَةً فِي الرَّدِّ، أَيْ: كَيْفَ لَا أَرُدُّهَا وَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيَّ، فَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ نَظَرَ إِلَى ظَاهِرِ الْكَلَامِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا مَضْمُونَةٌ نَظَرَ إِلَى هَذِهِ الدَّقِيقَةِ كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: " قَوْلُهُ: مَضْمُونَةً مُؤَوَّلٌ بِضَمَانِ الرَّدِّ أَيْ: يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مُؤْنَةُ رَدِّهَا إِلَى مَالِكِهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ أَدَاءِ عَيْنِهَا عِنْدَ قِيَامِهَا.
قَالَ الْقَاضِي: " هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَارِيَةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، فَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ الضَّمَانُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ. وَذَهَبُ شُرَيْحٌ، وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إِلَى أَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لَا تُضْمَنُ إِلَّا بِالتَّعَدِّي، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَأَوَّلَ قَوْلَهُ: مَضْمُونَةً بِضَمَانِ الرَّدِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: الْوَدِيعَةُ مَرْدُودَةٌ، وَلَا يُقَالُ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ، وَإِنْ صَحَّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ، فَحَمْلُ اللَّفْظِ هُنَا عَلَيْهِ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ بِلَا دَلِيلٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: " إِنْ خَفِيَ تَلَفُهُ أَيْ: لَمْ يَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى تَلَفِهِ ضُمِنَ، وَإِلَّا فَلَا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute