للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٩٨٣ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَى عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

٢٩٨٣ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ» ) قَالَ الْمُظْهِرُ: عِلَّةُ رَعْيِهِمُ الْغَنَمَ أَنَّهُمْ إِذَا خَالَطُوا الْغَنَمَ زَادَ لَهُمُ الْحِلْمُ وَالشَّفَقَةُ، فَإِنَّهُمْ إِذَا صَبَرُوا عَلَى مَشَقَّةِ رَعْيِهَا وَدَفَعُوا عَنْهَا السُّبُعَ الضَّارِيَةَ وَالْيَدَ الْخَاطِفَةَ وَعَلِمُوا اخْتِلَافَ طِبَاعِهَا وَعَلَى جَمْعِهَا مَعَ تَفَرُّقِهَا فِي الْمَرْعَى وَالْمَشْرَبِ وَعَرَفُوا ضَعْفَهَا وَاحْتِيَاجَهَا إِلَى النَّقْلِ مِنْ مَرْعًى إِلَى مَرْعًى وَمِنْ مَسْرَحٍ إِلَى مَسْرَحٍ عَرَفُوا مُخَالَطَةَ النَّاسِ مَعَ اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِمْ وَطِبَاعِهِمْ وَقِلَّةِ عُقُولِ بَعْضِهِمْ، وَرَزَانَتَهَا فَصَبَرُوا عَلَى لُحُوقِ الْمَشَقَّةِ مِنَ الْأُمَّةِ إِلَيْهِمْ، فَلَا تَنْفِرُ طِبَاعُهُمْ وَلَا تَمَلُّ نُفُوسُهُمْ بِدَعْوَتِهِمْ إِلَى الدِّينِ لِاعْتِيَادِهِمُ الضَّرَرَ وَالْمَشَقَّةَ وَعَلَى هَذَا شَأْنُ السُّلْطَانِ مَعَ الرَّعِيَّةِ (فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟) أَيْ رَعَيْتَ أَيْضًا؟ (فَقَالَ: نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَى عَلَى قَرَارِيطَ) جَمْعُ قِيرَاطٍ وَهُوَ نِصْفُ دَانَقٍ وَهُوَ سُدُسُ دِرْهَمٍ (لِأَهْلِ مَكَّةَ) أَيِ اسْتَأْجَرَنِي أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى رَعْيِ الْغَنَمِ كُلَّ يَوْمٍ بِقِيرَاطٍ، وَذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ أَرَادَ قِسْطَ الشَّهْرِ مِنْ أُجْرَةِ الرَّعْيِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَبْلُغُ الدِّينَارَ أَوْ لَمْ يَرَ أَنْ يُذَكَرَ مِقْدَارُهَا اسْتِهَانَةً بِالْحُظُوظِ الْعَاجِلَةِ أَوْ لِأَنَّهُ نَسِيَ الْكَمِّيَّةَ فِيهَا، وَعَلَى الْأَحْوَالِ فَإِنَّهُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى وَتَصْرِيحًا بِمِنَنِهِ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ التُّورِبِشْتِيُّ، وَفِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ لِابْنِ الْمَلَكِ فِيهِ اسْتِئْجَارُ الْأَحْرَارِ. وَمَنْ قَالَ: الْقَرَارِيطُ مَوْضِعٌ بِمَكَّةَ " وَعَلَى " بِمَعْنَى " فِي " لِاسْتِعْظَامِهِ أَنْ يَأْخُذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُجْرَةً عَلَى عَمَلِهِ فَقَدْ تَعَسَّفَ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ إِنَّمَا يَتَنَزَّهُونَ عَنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ فِيمَا يَعْمَلُونَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، لَا لِأَنْفُسِهِمْ، عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ فَعَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ لَا يَتَّجِهُ إِيرَادُهُ فِي هَذَا الْبَابِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>