للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٩٨٥ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَأَ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا، حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ " «أَصَبْتُمُ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا» ".

ــ

٢٩٨٥ - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَفَرًا) أَيْ: جَمَاعَةً (مِنْ) أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرُّوا بِمَاءٍ) قَالَ الْقَاضِي: يُرِيدُ بِالْمَاءِ أَهْلَ الْمَاءِ بِمَعْنَى الْحَيِّ النَّازِلِينَ عَلَيْهِ (فِيهِمْ) الضَّمِيرُ لِلْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ (لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَاللَّدِيغُ الْمَلْدُوغُ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ لَدَغَهُ الْعَقْرَبُ، وَالسَّلِيمُ فِيمَنْ لَسَعَتْهُ الْحَيَّةُ تَفَاؤُلًا (فَعَرَضَ) أَيْ: ظَهَرَ (لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟) اسْمُ فَاعِلٍ مَنْ رَقَى يَرْقِي بِالْفَتْحِ فِي الْمَاضِي وَالْكَسْرِ فِي الْمُضَارِعِ مَنْ يَدْعُو بِالرُّقْيَةِ (إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمَا) اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ (فَانْطَلَقَ) أَيْ: فَذَهَبَ (رَجُلٌ مِنْهُمْ) قِيلَ: هُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ (فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ) جَمْعُ شَاةٍ (فَبَرَأَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيُكْسَرُ فِي النِّهَايَةِ بَرَأَ الْمَرِيضُ يَبْرَأُ بَرْأً بِالْفَتْحِ فَهُوَ بَارِئٌ وَأَبْرَأَهُ اللَّهُ، وَغَيْرُ أَهْلِ الْحِجَازِ بَرِئَ بِالْكَسْرِ بَرُأَ بِالضَّمِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لَهُمْ: أَنَا أَرْقِي هَذَا اللَّدِيغَ بِشَرْطِ أَنْ تُعْطُونِي كَذَا رَأْسًا مِنَ الْغَنَمِ فَرَضُوا فَقَرَأَ عَلَيْهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ بِنَاءً عَلَى مَا وَرَدَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ فَبَرَأَ بِبَرَكَةِ كَلَامِ اللَّهِ، قِيلَ: كَانَتْ ثَلَاثِينَ غَنَمًا وَهُمْ ثَلَاثُونَ نَفَرًا (فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ) أَيْ: أَخْذَهُ (وَقَالُوا) أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا؟) أَيْ: وَكَانُوا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ (حَتَّى قَدِمُوا) قَالَ الطِّيبِيُّ: " مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: قَالُوا أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَمَعْنَاهُ لَا يَزَالُونَ يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ (فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ) فَالْغَايَةُ أَيْضًا دَاخِلَةٌ فِي الْمُغَيَّا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السَّمَكَةِ (أَخَذَ) أَيِ: الرَّجُلُ (عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا) أَيْ: أَيُّهَا الْأُمَّةُ (كِتَابُ اللَّهِ) قَالَ الْقَاضِي: " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالرُّقْيَةِ بِهِ وَجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَحْرِيمِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْآتِي عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ. فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الرُّقْيَةِ بِالْقُرْآنِ وَبِذِكْرِ اللَّهِ وَأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ، وَبِهِ تَمَسَّكَ مَنْ رَخَّصَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَشِرَاءَهَا وَأَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى كِتَابَتِهَا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ) أَيْ: لَهُ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ (أَصَبْتُمْ) أَيْ: فَعَلْتُمْ صَوَابًا (اقْسِمُوا) بِهَمْزِ وَصْلٍ وَكَسْرِ سِينٍ قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُرُوآتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ وَمُوَاسَاةِ الْأَصْحَابِ وَالرِّفَاقِ، وَإِلَّا فَجَمِيعُ الشَّاءِ مِلْكٌ لِلرَّاقِي (وَاضْرِبُوا) أَيِ: اجْعَلُوا (لِي مَعَكُمْ سَهْمًا) أَيْ: نَصِيبًا مِنْهَا، قَالَهُ تَطَيُّبًا لِقُلُوبِهِمْ وَمُبَالَغَةً فِي تَعْرِيفِهِمْ أَنَّهُ حَلَالٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>