للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَيْ عَمُّهُ فَجَاءُوا (بِمَعْتُوهٍ فِي الْقُيُودِ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) لِمَا وَرَدَ: «فَاتِحَةُ الْكِتَابِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ» (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً) أَيْ: أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ أَوْ نَهَارًا وَلَيْلًا (أَجْمَعُ) اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ (بُزَاقِي) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ مَاءُ الْفَمِ (ثُمَّ أَتْفُلُ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَيُكْسَرُ أَيْ أَبْصُقُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَفِي الِاقْتِطَافِ: التَّفْلُ شَبِيهٌ بِالْبُزَاقِ، يُقَالُ: بَزَقَ ثُمَّ تَفَلَ ثُمَّ نَفَثَ ثُمَّ نَفَخَ، وَفِي النِّهَايَةِ: التَّفْلُ نَفْخٌ مَعَهُ رِيقٌ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنَ النَّفْثِ (قَالَ) أَيْ: عَمُّهُ (فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُطْلِقَ ذَلِكَ الرَّجُلُ (مِنْ عِقَالٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ مِنْ حَبْلٍ مَشْدُودٍ بِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ زَالَ عَنْهُ ذَلِكَ الْجُنُونُ فِي الْحَالِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: " يُقَالُ: نَشَطْتُ الْحَبْلَ أَنْشُطُهُ نَشْطًا أَيْ عَقَدْتُهُ وَأَنْشَطْتُهُ أَيْ حَلَلْتُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْنِي أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي خَلَاصِ الْمَوْثُوقِ وَزَوَالِ الْمَكْرُوهِ فِي أَدْنَى سَاعَةٍ "، قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " الْكَلَامُ فِيهِ التَّشْبِيهُ شَبَّهَ سُرْعَةَ بُرْئِهِ مِنَ الْجُنُونِ بِوَاسِطَةِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّفْلِ بِجَمَلٍ مَعْقُولٍ بَرَأَ مِنْ عِقَالٍ فَتَرَاهُ سَرِيعَ النُّهُوضِ " (فَأَعْطَوْنِي جُعْلًا) بِضَمِّ الْجِيمِ أَيْ أَجْرًا (فَقُلْتُ لَا) أَيْ: لَا آخُذُ (حَتَّى أَسْأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " كُلْ ") عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ وَسَأَلَتْهُ فَقَالَ: كُلْ (فَلَعَمْرِي) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ لَحَيَاتِي وَاللَّامُ فِيهِ لَامُ الِابْتِدَاءِ وَفِي قَوْلِهِ (لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ) جَوَابُ الْقَسَمِ أَيْ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَأْكُلُ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ كَذِكْرِ الْكَوَاكِبِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهَا وَبِالْجِنِّ (لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ) بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِهِ وَإِنَّمَا حَلَفَ بِعُمْرِهِ لَمَّا أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ حَيْثُ قَالَ: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: ٧٢] قَالَ الْمُظْهِرُ: " هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا أَيْ حَيَاتِي وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَسَمِ إِلَّا مَفْتُوحَ الْعَيْنِ، وَاللَّامُ فِي لِمَنْ أَكَلَ جَوَابُ الْقَسَمِ أَيْ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَرْقِي بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ وَيَأْخُذُ عَلَيْهَا عِوَضًا أَمَّا أَنْتَ فَقَدَ رَقَيْتَ بِرُقْيَةِ حَقَّ اه وَهَذَا حَاصِلُ الْمَعْنَى فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ فُقِدَ بِالْفَاءِ، بَلِ اللَّامِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَقْسَمَ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ؟ قُلْنَا: لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَسَمَ بَلْ جَرَى كَذَا اللَّفْظُ فِي كَلَامِهِ عَلَى رَسْمِهِمْ، قَالَ الطِّيبِيُّ: " لَعَلَّهُ كَانَ مَأْذُونًا بِهَذَا الْإِقْسَامِ وَإِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى " {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: ٧٢] " قِيلَ: أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِحَيَاتِهِ وَمَا أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ قَطُّ كَرَامَةً لَهُ " وَمَنْ " فِي " لَمَنْ أَكَلَ " شَرْطِيَّةٌ وَاللَّامُ مُوطِئَةٌ لِلْقَسَمِ وَالثَّانِيَةُ جَوَابٌ لِلْقَسَمِ سَادٌّ مَسَدَّ الْجَزَاءِ ; أَيْ لَعَمْرِي لَئِنْ كَانَ نَاسٌ يَأْكُلُونَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ لَأَنْتَ أَكَلَتْ بِرُقْيَةِ حَقٍّ، وَإِنَّمَا أَتَى بِالْمَاضِي فِي قَوْلِهِ " أَكَلْتَ " بَعْدَ قَوْلِهِ " كُلْ " دَلَالَةً عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ، وَأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ وَأُجْرَتُهُ صَحِيحَةٌ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ) رَحِمَهُمُ اللَّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>