للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْقِ يَا زُبَيْرُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْمَقْطُوعَةِ وَبِكَسْرِهَا الْمَوْصُولَةِ (ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ) فَإِنَّ أَرْضَ الزُّبَيْرِ كَانَتْ أَعْلَى مِنْ أَرْضِ الْأَنْصَارِيِّ (فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ حَكَمْتَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ أَوْ بِسَبَبِ أَنْ (كَانَ) أَيِ: الزُّبَيْرُ (ابْنَ عَمَّتِكَ) قَالَ الْقَاضِي: " وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِأَنْ أَوْ لِأَنْ وَحَرْفُ الْجَرِّ يُحْذَفُ مَعَهَا لِلتَّخْفِيفِ كَثِيرًا فَإِنَّ فِيهَا مَعَ صِلَتِهَا طُولًا أَيْ وَهَذَا التَّقْدِيمُ وَالتَّرْجِيحُ لِأَنَّهُ ابْنُ عَمَّتِكَ) وَبِسَبَبِهِ وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم: ١٤] أَيْ لَا تُطِعْهُ مَعَ هَذِهِ الْمَثَالِبِ لِأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَلِهَذَا الْمَقَالِ نُسِبَ الرَّجُلُ إِلَى النِّفَاقِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدِ اجْتَرَأَ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِنِسْبَةِ الرَّجُلِ تَارَةً إِلَى النِّفَاقِ قَالَ: وَأُخْرَى إِلَى الْيَهُودِيَّةِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ زَائِغٌ عَنِ الْحَقِّ إِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ أَنْصَارِيًّا وَلَمْ يَكُنِ الْأَنْصَارُ مِنْ جُمْلَةِ الْيَهُودِ، وَلَوْ كَانَ مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي دِينِهِ لَمْ يَصِفُوهُ بِهَذَا الْوَصْفِ فَإِنَّهُ وَصْفُ مَدْحٍ، وَالْأَنْصَارُ وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمْ مَنْ يُرْمَى بِالنِّفَاقِ فَإِنَّ الْقَرْنَ الْأَوَّلَ وَالسَّلَفَ بَعْدَهُمْ تَحَرَّجُوا وَاحْتَرَزُوا أَنَّ يُطْلِقُوا عَلَى مَنْ ذُكِرَ بِالنِّفَاقِ وَاشْتُهِرَ بِهِ الْأَنْصَارِيَّ، وَالْأَوْلَى بِالشَّحِيحِ بِدِينِهِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا قَوْلٌ أَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ فِيهِ بِتَمَكُّنِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَغَيْرُ مُسْتَبْدَعٍ مِنَ الصِّفَاتِ الْبَشَرِيَّةِ الِابْتِلَاءُ بِأَمْثَالِ ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: " قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: حَكَى الدَّاوُدِيُّ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ مُنَافِقًا وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ أَنْصَارِيٌّ لَا يُخَالِفُ هَذَا لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ قَبِيلَتِهِمْ لَا مِنَ الْأَنْصَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء: ٦٥] الْآيَةَ فَلِهَذَا قَالَتْ طَائِفَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: لَوْ صَدَرَ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ إِنْسَانٍ كَانَ كَافِرًا وَجَرَتْ عَلَى قَائِلِهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ مِنَ الْقَتْلِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ وَيَدْفَعُ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَى الْمُنَافِقِينَ وَيَقُولُ: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» (فَتَلَوَّنُ وَجْهُهُ) أَيْ: تَغَيَّرَ مِنَ الْغَضَبِ لِانْتِهَاكِ حُرْمَةِ النُّبُوَّةِ وَقُبْحِ كَلَامِ هَذَا الرَّجُلِ (ثُمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ) أَيِ: امْسِكْهُ وَامْنَعْهُ (حَتَّى يَرْجِعَ) أَيْ: يَصِلَ الْمَاءُ (إِلَى الْجَدْرِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَرُوِيَ بِضَمَّتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ جِدَارٍ، قِيلَ: إِنَّهُ الْمُسَنَّاةُ وَهِيَ لِلْأَرْضِ كَالْجِدَارِ لِلدَّارِ يَعْنِي الْحَائِلَ بَيْنَ الْمَشَارِبِ، وَقِيلَ: هُوَ الْجِدَارُ وَقِيلَ: هُوَ أَصْلُ الْجِدَارِ وَقَدَّرَهُ الْعُلَمَاءُ بِأَنْ يَرْتَفِعَ الْمَاءُ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا حَتَّى يَبْلُغَ كَعْبَ رِجْلِ الْإِنْسَانِ (ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ) أَمَرَهُ بِمَدَى الْحُكْمِ (فَاسْتَوْعَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقَّهُ) أَيِ: اسْتَوْفَاهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوِعَاءِ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ الْأَشْيَاءُ كَأَنَّهُ جَمَعَهُ فِي وِعَائِهِ، وَالْمَعْنَى أَعْطَى الزُّبَيْرَ حَقَّهُ تَامًّا (فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ حِينَ أَحْفَظَهُ الْأَنْصَارِيُّ) أَيْ: أَغْضَبَ (وَكَانَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَشَارَ) أَيْ: أَوَّلًا (لَهُمَا بِأَمْرٍ فِيهِ سَعَةٌ) أَيْ: مَنْفَعَةٌ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: " قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ إِلَى جَارِكَ كَانَ أَمْرًا لِلزُّبَيْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَأَخْذًا بِالْمُسَامَحَةِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهِ دُونَ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا مِنْهُ، فَلَمَّا رَأَى الْأَنْصَارِيَّ يَجْهَلُ مَوْضِعَ حَقِّهِ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ بِاسْتِيفَاءِ تَمَامِ حَقِّهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنِ التَّعْزِيرِ حَيْثُ لَمْ يُعَزِّرِ الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِمَا أَغْضَبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقِيلَ: كَانَ قَوْلُهُ الْآخَرُ عُقُوبَةً فِي مَالِهِ وَكَانَتِ الْعُقُوبَةُ إِذْ ذَاكَ يَقَعُ بَعْضُهَا فِي الْأَمْوَالِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَفِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ عَلَى الْأَنْصَارِيِّ فِي حَالِ غَضَبِهِ مَعَ نَهْيِهِ الْحَاكِمَ أَنْ يَحْكُمَ وَهُوَ غَضْبَانُ ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْصُومًا مِنْ أَنْ يَقُولَ فِي السُّخْطِ وَالرِّضَا إِلَّا حَقًّا، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ مِيَاهَ الْأَوْدِيَةِ وَالسُّيُولِ الَّتِي لَا يُمْلَكُ مَنَابِعُهَا وَمَجَارِيهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَالنَّاسُ شَرْعٌ وَسَوَاءٌ وَإِنَّ مَنْ سَبَقَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّ أَهْلَ الشِّرْبِ الْأَعْلَى مُقَدَّمُونَ عَلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ لِسَبْقِهِمْ إِلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ عَمَّنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ بَعْدَمَا أَخَذَ مِنْهُ حَاجَتَهُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>