للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

آخَرُونَ: مَا لَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ حَرَامٌ فَهُوَ حَلَالٌ لِلْفَقِيرِ دُونَ الْغَنِيِّ، إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْفَقِيرُ أَنَّ ذَلِكَ عَيْنُ الْغَصْبِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، إِلَّا لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ، وَلَا حَرَجَ عَلَى الْفَقِيرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ، فَأُعْطِيَ الْفَقِيرُ فَلَهُ أَخْذُهُ بِلَا رَيْبٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ فَيْءٍ أَوْ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ فَلِلْفَقِيرِ فِيهِ حَقٌّ، وَكَذَلِكَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ -: مَنْ دَخَلَ الْإِسْلَامَ طَائِعًا وَقَرَأَ الْقُرْآنَ ظَاهِرًا فَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كُلَّ سَنَةٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ. وَرُوِيَ: مِائَتَا دِينَارٍ إِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا فِي الدُّنْيَا أَخَذَهَا فِي الْعُقْبَى، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْفَقِيرُ وَالْعَالِمُ يَأْخُذُ مِنْ حَقِّهِ، قَالُوا: وَإِذَا كَانَ الْمَالُ مُخْتَلِطًا بِمَالٍ مَغْصُوبٍ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ أَوْ مَغْصُوبًا لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ وَوَرَثَتِهِ فَلَا مُخَلِّصَ لِلسُّلْطَانِ مِنْهُ إِلَّا بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَأْمُرَهُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْفَقِيرِ وَيَنْهِي الْفَقِيرَ عَنْ قَبُولِهِ أَوْ يَأْذَنَ الْفَقِيرُ فِي الْقَبُولِ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، فَإِذًا لِلْفَقِيرِ أَنْ يَأْخُذَ إِلَّا مِنْ عَيْنِ الْغَصْبِ وَالْحَرَامِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ.

٣٠٠٨ - (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ) (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَصَابَ) أَيْ: صَادَفَ فِي نَصِيبِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ (أَرْضًا بِخَيْبَرَ) أَيْ: فِيهَا نَخِيلًا نَفِيسًا (فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: فَجَاءَهُ (قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ قَطُّ) أَيْ: قَبْلَ هَذَا أَبَدًا (أَنْفَسَ) أَيْ: أَعَزَّ (عِنْدِي مِنْهُ) وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (" وَلَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفَسِكُمْ ") بِفَتْحِ الْفَاءِ فِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " أَجْوَدَ وَقَدْ نَفُسَ بِضَمِّ الْفَاءِ نَفَاسَةً وَاسْمُ هَذَا الْمَالِ ثَمْغٌ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ) أَيْ: فِيهِ فَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَهُ لِلَّهِ وَمَا أَدْرِي بِأَيِّ طَرِيقٍ أَجْعَلُهُ لَهُ (قَالَ: إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُخَفَّفُ أَيْ: وَقَفْتَ (أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا) أَيْ: بِغَلَّتِهَا وَحَاصِلِهَا مِنْ حُبُوبِهَا وَثِمَارِهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ إِنَّهُ) أَيْ: عَلَى إِنَّهُ (لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُوَرَّثُ وَتَصَدَّقَ بِهَا) أَيْ: وَجَعَلَ الصَّدَقَةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ غَلَّتِهَا (فِي الْفُقَرَاءِ) أَيْ: فُقَرَاءِ الْمَدِينَةِ أَوْ أَهْلِ الصُّفَّةِ (وَفِي الْقُرْبَى) تَأْنِيثِ الْأَقْرَبِ كَذَا قِيلَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْقَرَابَةِ وَالْمُضَافُ مُقَدَّرٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى} [الإسراء: ٢٦] وَالْمُرَادُ أَقَارِبُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَقْرِبَاءُ نَفْسِهِ وَالظَّاهِرُ عُمُومُ فُقَرَائِهِمْ وَأَغْنِيَائِهِمْ (وَفِي الرِّقَابِ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ رَقَبَةٍ وَهُمُ الْمُكَاتَبُونَ أَيْ فِي أَدَاءِ دُيُونِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْ يَشْتَرِي بِهِ الْأَرِقَّاءَ وَيُعْتِقَهُمْ (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ: مُنْقَطَعُ الْغُزَاةِ أَوِ الْحَاجِّ (وَابْنُ السَّبِيلِ) أَيْ: مُلَازِمُهُ وَهُوَ الْمُسَافِرُ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا فِي بِلَادِهِ (وَالضَّيْفُ لَا جُنَاحَ) أَيْ: لَا إِثْمَ (عَلَى مَنْ وَلِيَهَا) أَيْ: قَامَ بِحِفْظِهَا وَإِصْلَاحِهَا (أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ) بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا قَدْرَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ قُوتًا وَكُسْوَةً (أَوْ يُطْعِمَ) أَيْ: أَهْلَهُ أَوْ حَضَرَهُ (غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ) أَيْ: مُدَّخِرٍ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ وَلِيَهَا (قَالَ ابْنُ سِيرِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا) أَيْ: غَيْرَ مُجْمِعٍ لِنَفْسِهِ مِنْهُ رَأْسَ مَالٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: " وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ أَصْلِ الْوَقْفَ وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِشَوَائِبِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُوَرَّثُ، وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ فِيهِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، وَفِيهِ صِحَّةُ شُرُوطِ الْوَاقِفِ، وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْوَقْفِ وَهِيَ الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ وَفَضِيلَةُ الْإِنْفَاقِ مِمَّا يُحِبُّ وَفَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفَضِيلَةُ مُشَاوَرَةِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ فِي الْأَمْرِ وَطُرُقِ الْخَيْرِ، وَفِيهِ أَنَّ خَيْبَرَ فُتِحَتْ عُنْوَةً وَأَنَّ الْغَانِمِينَ مَلَكُوهَا وَاقْتَسَمُوهَا وَاسْتَمَرَّتْ أَمْلَاكُهُمْ عَلَى حِصَصِهِمْ وَفِيهِ فَضِيلَةُ صِلَةِ الْأَرْحَامِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِمْ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ شَيْئًا وَلَمْ يُنَصِّبْ لَهُ قَيِّمًا مُعَيَّنًا جَازَ ; لِأَنَّهُ قَالَ: لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهَا قَيِّمًا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِوَقْفِهِ ; لِأَنَّهُ أَبَاحَ الْأَكْلَ لِمَنْ وَلِيَهُ وَقَدْ يَلِيهِ الْوَاقِفُ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِلَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ: ارْكَبْهَا» ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَاشْتَرَاهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» - وَوَقَفَ أَنَسٌ دَارًا وَكَانَ إِذَا قَدِمَهَا نَزَلَهَا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) أَقُولُ: الْأَنْسَبُ إِيرَادُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ الْوَقْفِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>