٣٠٢١ - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً ثُمَّ يَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ أَكَلَ حَتَّى إِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
٣٠٢١ - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً ثُمَّ يَرْجِعَ» ) : الظَّاهِرُ النَّصْبُ لَكِنْ وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا بِالرَّفْعِ ذَكَرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا مَيْرَكُ شَاهْ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الرَّفْعِ تَقْدِيرُ هُوَ وَالضَّمِيرُ لِلرَّجُلِ (فِيهَا) أَيْ: فِي عَطِيَّتِهِ (إِلَّا الْوَالِدَ) : بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالرَّجُلِ لِلْجِنْسِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ إِلَخْ وَبِظَاهِرِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا يَحِلُّ لَهُ دِيَانَةً وَمُرُوءَةً فَيَكُونُ مَكْرُوهًا لَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ قَضَاءً وَحُكْمًا كَمَا فِي خَبَرِ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ طَاوِيًا» أَيْ: خَالِي الْبَطْنِ جَائِعًا أَيْ: لَا يَلِيقُ ذَلِكَ لَهُ دِيَانَةً وَمُرُوءَةً وَإِنْ كَانَ جَائِزًا قَضَاءً وَحُكْمًا (وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ) أَيْ: لِغَيْرِ وَلَدِهِ (ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ أَكَلَ) أَيِ: اسْتَمَرَّ عَلَى أَكْلِ شَيْءٍ (حَتَّى إِذَا شَبِعَ) : بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ) : قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " الْحَدِيثُ كَمَا تَرَى نَصٌّ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ جَوَازَ الرُّجُوعِ مَقْصُورٌ عَلَى مَا وَهَبَ الْوَالِدُ مِنْ وَلَدِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَعَكَسَ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالُوا: لَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ مَحَارِمِهِ وَلِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا وَهَبَ لِلْآخَرِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَ لِلْأَجَانِبِ، وَجَوَّزَ مَالِكٌ الرُّجُوعَ مُطْلَقًا إِلَّا فِي هِبَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الْآخَرِ، وَأَوَّلَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا الْحَدِيثَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا يَحِلُّ مَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ عَنِ الرُّجُوعِ لَا نَفْيَ الْجَوَازِ عَنْهُ كَمَا فِي قَوْلِكَ لَا يَحِلُّ لِلْوَاجِدِ رَدُّ السَّائِلِ، وَقَوْلَهُ: إِلَّا الْوَالِدَ لِوَلَدِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ وَيَتَصَرَّفَ فِي نَفَقَتِهِ وَسَائِرِ مَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ وَقْتَ حَاجَتِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ مِنْ مَالِهِ لَا اسْتِرْجَاعًا لِمَا وَهَبَ وَنَقْضًا لِلْهِبَةِ وَهُوَ مَعَ بُعْدِهِ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ بِلَا دَلِيلٍ، أَقُولُ: الْمُجْتَهِدُ أَسِيرُ الدَّلِيلِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ دَلِيلٌ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى التَّأْوِيلِ، قَالَ: وَمَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ جَازَتْ وَمَنْ وَهَبَ لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ أَقْبَلَ تَأْوِيلًا، وَأَوْلَى بِأَنْ يُؤَوَّلَ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ بَيْنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْهِبَةِ مِنَ الْمَحَارِمِ وَالْأَجَانِبِ فِي اقْتِضَاءِ الثَّوَابِ وَأَنَّ مَنْ وَهَبَ لِأَجْنَبِيٍّ طَمَعًا فِي ثَوَابٍ فَلَمْ يُثِبْهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ صَرِيحًا، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ قَدِيمٌ يَقْرُبُ مِنْهُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى لُزُومَ الثَّوَابِ أَصْلًا فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِهِ؟ قُلْتُ: لَا بِدَعَ أَنْ يَقُولَ بِعَدَمِ جَوَازِ الرُّجُوعِ عِنْدَ حُصُولِ الثَّوَابِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرَى لُزُومَهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمَّا تَقَرَّرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنِ الْهِبَةِ مَذْمُومٌ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَوْ لَا يَسْتَقِيمُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّصِفُوا بِهَذَا الْمَثَلِ السُّوءِ، وَسَبَقَ أَنَّ حَدِيثَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَاءَ مُؤَكِّدًا لَهُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ مِنَ الْأَوْلَادِ أَيْضًا وَيَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِرُجُوعٍ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ وَمَالُهُ لَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] ، أَيِ: الَّذِي وُلِدَ لَهُ وَكَأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ» ، وَرُبَّمَا تَقْتَضِي الْمَصْلَحَةُ الرُّجُوعَ تَأْدِيبًا وَسِيَاسَةً لِلْوَلَدِ لِمَا يَرَى مِنْهُ مَا لَا يَرْضَاهُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) وَالْأَخْصَرُ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ (وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ) أَيْ: حَكَمَ بِأَنَّ إِسْنَادَهُ صَحِيحٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute