(بَابُ الْفَرَائِضِ)
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
٣٠٤١ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
بِالْهَمْزِ جَمْعُ فَرِيضَةٍ أَيِ: الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْمَتْرُوكَاتِ الْمَالِيَّةِ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْفَرْضُ أَصْلُهُ الْقَطْعُ، قَالَ: فَرَضْتُ لِفُلَانٍ إِذَا قَطَعْتُ لَهُ مِنَ الْمَالِ شَيْئًا، وَفِي الْمُغْرِبِ: الْفَرِيضَةُ اسْمُ مَا يُفْرَضُ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَقَدْ يُسَمَّى بِهَا كُلُّ مُقَدِّرٍ، فَقِيلَ لِأَنْصِبَاءِ الْمَوَارِيثِ فَرَائِضُ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ لِأَصْحَابِهَا ثُمَّ قِيلَ لِلْعِلْمِ بِمَسَائِلِ الْمِيرَاثِ عِلْمٌ وَفِي الْفَرَائِضِ وَلِلْعَالَمِ بِهِ فَرَضِيٌّ وَفَارِضٌ، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ» أَيْ: أَعْلَمُكُمْ بِهَذَا النَّوْعِ.
٣٠٤١ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» ) أَيْ: فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَشَفَقَتِي عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ مِنْ شَفَقَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَكُونُ أَوْلَى بِقَضَاءِ دِيُونِهِمْ ( «فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» ) أَيْ: بَعْدَ قَضَاءِ دِيُونِهِ وَوَصِيَّتِهِ وَمِنْهُ أَخْذُ التَّرِكَةِ، فِي الْفَائِقِ: التَّرِكَةُ اسْمٌ لِلْمَتْرُوكِ كَمَا أَنَّ الطَّلِبَةَ اسْمٌ لِلْمَطْلُوبِ وَمِنْهُ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ (وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا» ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَيُكْسَرُ أَيْ: عِيَالًا ( «فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ» ) أَيْ: وَلِيُّهُ وَكَافِلُ أَمْرِهِ قَالَ الْقَاضِيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ضَيَاعًا بِالْفَتْحِ يُرِيدُ بِهِ الْعِيَالَ الْعَالَةَ مَصْدَرٌ أُطْلِقَ مَقَامَ اسْمِ الْفَاعِلِ لِلْمُبَالَغَةِ كَالْعَدْلِ وَالصَّوْمِ وَرُوِيَ بِالْكَسْرِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ ضَائِعٍ كَجِيَاعٍ فِي جَمْعٍ جَائِعٍ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الضَّيَاعُ اسْمُ مَا هُوَ فِي مَعْرَضٍ أَنْ يَضِيعَ إِنْ لَمْ يُتَعَهَّدْ كَالذُّرِّيَّةِ الصِّغَارِ وَالزَّمْنَى الَّذِينَ لَا يَقُومُونَ بِأَمْرِ أَنْفُسِهِمْ وَمَنْ يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهُمْ (وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا» ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ: ثِقَلًا قَالَ تَعَالَى {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} [النحل: ٧٦] وَهُوَ يَشْمَلُ الدَّيْنَ وَالْعِيَالَ (فَإِلَيْنَا) أَيْ: مَرْجِعُهُ وَمَأْوَاهُ أَوْ فَلْيَأْتِ إِلَيْنَا أَيْ: أَنَا أَتَوَلَّى أُمُورَهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ وَأَنْصُرُهُمْ فَوْقَ مَا كَانَ مِنْهُمْ لَوْ عَاشُوا، فَإِنْ تَرَكُوا شَيْئًا مِنَ الْمَالِ فَأَذُبُّ الْمُسْتَأْكِلَةَ مِنَ الظَّلَمَةِ أَنْ يَحُومُوا حَوْلَهُ فَيَخْلُصُ لِوَرَثَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكُوا وَتَرَكُوا ضَيَاعًا وَكَلًّا مِنَ الْأَوْلَادِ فَأَنَا كَافِلُهُمْ وَإِلَيْنَا مَلْجَأُهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوا دَيْنًا فَعَلَيَّ أَدَاؤُهُ، وَلِهَذَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ - عَزَّ مِنْ قَائِلٍ -: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨] وَقَوْلِهِ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: ٦] وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُفَسَّرَ الْآيَةُ أَيْضًا، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ " {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: ٦] " إِنَّمَا يَتَلَاءَمُ إِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْأَبِ الْمُشْفِقِ بَلْ هُوَ أَرْأَفُ وَأَرْحَمُهُمْ بِهِمْ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute