للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩٥ - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلَامِي لَا يَنْسَخُ كَلَامَ اللَّهِ، وَكَلَامُ اللَّهِ يَنْسَخُ كَلَامِي وَكَلَامُ اللَّهِ يَنْسَخُ بَعْضُهُ بَعْضًا» "

ــ

١٩٥ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ جَابِرٍ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «كَلَامِي لَا يَنْسَخُ كَلَامَ اللَّهِ» ) : النَّسْخُ لُغَةً التَّبْدِيلُ وَشَرْعًا بَيَانٌ لِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُطْلَقِ، ثُمَّ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَمِنْهُ نَسْخُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» " وَأُجِيبَ: بِأَنَّ النَّاسِخَ إِنَّمَا هُوَ آيَةُ الْمِيرَاثِ وَفِيهِ بَحْثٌ إِذِ الْكَلَامُ فِي الْوَصِيَّةِ لَا فِي مِقْدَارِ الْمُوصَى بِهِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» " (وَكَلَامُ اللَّهِ يَنْسَخُ كَلَامِي) : وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْجَوَازِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَمِثَالُهُ نَسْخُ التَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالسُّنَّةِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ خِلَافٌ لِلْأُصُولِيِّينَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ كُلٍّ بِالْآخَرِ لِاسْتِوَائِهِمَا مِنْ حَيْثُ ظَنِّيَّةِ الدَّلَالَةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] وَلَا يَرِدُّ عَلَيْهِمْ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِتَوَقُّفِ ذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ أَوْ حُسْنِهِ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْسَخُ لَفْظُهُ (وَكَلَامُ اللَّهِ يَنْسَخُ بَعْضُهُ بَعْضًا) : وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ كَآيَاتِ الْمُسَالَمَةِ بِآيَاتِ الْقِتَالِ، وَالْمَنْسُوخُ أَنْوَاعٌ. مِنْهَا: التِّلَاوَةُ وَالْحُكْمُ مَعًا وَهُوَ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِنْسَاءِ، حَتَّى رُوِيَ أَنَّ سُورَةَ الْأَحْزَابِ كَانَتْ تَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَمِنْهَا: الْحُكْمُ دُونَ التِّلَاوَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: ٦] وَمِنْهَا التِّلَاوَةُ دُونَ الْحُكْمِ كَآيَةِ الرَّجْمِ وَهِيَ: " الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "، وَبَقِيَ فِي الْحَدِيثِ قِسْمٌ رَابِعٌ وَهُوَ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ، وَجَوَازُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِثَالُهُ: " «كُنْتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>