للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ تَذَرُهُمْ فُقَرَاءَ، وَإِنْ عِشْتَ وَتَصَدَّقْتَ بِمَا بَقِيَ مِنَ الثُّلُثِ وَأَنْفَقْتَ عَلَى عِيَالِكَ يَكُنْ خَيْرًا لَكَ. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " فِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ الْمَرِيضِ مَا يَجِدُهُ مِنَ الْوَجَعِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ مِنْ مُدَاوَاةٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ إِذْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ السُّخْطِ، فَإِنَّهُ قَادِحٌ فِي أَجْرِ مَرَضِهِ " اه.

وَفِيهِ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إِلَّا حِكَايَةُ أَنَّهُ مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا. قَالَ: " وَدَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ جَمْعِ الْمَالِ وَمُرَاعَاةِ الْعَدْلِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ وَارِثٌ لَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْحَابُهُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى صِلَةِ الْأَرْحَامِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْأَقَارِبِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى الْوَرَثَةِ، فَإِنَّ صِلَةَ الْقَرِيبِ وَالْإِحْسَانَ إِلَيْهِ أَفْضَلُ مِنَ الْأَبْعَدِ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يُثَابُ عَلَى عَمَلِهِ بِنِيَّتِهِ، وَأَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَى الْعِيَالِ يُثَابُ عَلَيْهِ إِذَا قَصَدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الْمُبَاحَ إِذَا قَصَدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ صَارَ طَاعَةً، فَإِنَّ زَوْجَةَ الْإِنْسَانِ مَنْ أَحَظِّ حُظُوظِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَشَهَوَاتِهَا وَمَلَاذِّهَا الْمُبَاحَةِ، وَوَضْعُ اللُّقْمَةِ فِي فِيهَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْعَادَةِ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَالْمُلَاطَفَةِ، وَهِيَ أَبْعَدُ الْأَشْيَاءِ عَنِ الطَّاعَةِ وَأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَمَعَ هَذَا فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ إِذَا قَصَدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى حَصَلَ لَهُ الْأَجْرُ، فَغَيْرُ هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْلَى بِحُصُولِ الْأَجْرِ اه. وَقَوْلُهُ: (أَبْعَدُ الْأَشْيَاءِ عَنِ الطَّاعَةِ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالطَّاعَةِ الْعِبَادَةَ، وَإِلَّا فَالطَّاعَةُ الْمُقَابَلَةُ بِالْمَعْصِيَةِ لَا يَصِحُّ إِيرَادُهَا هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>